جاء في خطاب الرئيس قيس سعيد بمناسبة الاحتفال بعيد الجمهورية قوله «أن تونس منذ 2021 خيرت التعويل على الذات وترفض كل الوصفات الخارجية»في إشارة إلى إملاءات صندوق النقد الدولي والمؤسسات المالية المانحة وغيرها من مؤسسات التصنيف الإئتماني ، هذه العبارات تحمل في طياتها الكثير من معاني التشبث بالاستقلالية في أخذ القرار الوطني وهذا لا يمكن أن يرفضه أي غيور على وطنه.

ففي السنوات الأخيرة، أصبحت تونس بقطع النظر عن موقعها الاستراتيجي في الضفة الجنوبية للمتوسط محط أنظار العديد من القوى العالمية والإقليمية المؤثرة في القرار الاقتصادي والسياسي، ومع ذلك فإن السياسة الخارجية التونسية أخذت في التركيز على تعزيز الاستقلالية السياسية والاقتصادية بصفة متلازمة في مختلف الخطب السياسية ، مما يعكس رغبة واضحة في الاعتماد على الموارد الذاتية وتجنب التدخل الخارجي .

تاريخياً، مرّت تونس بتجارب متنوعة من التدخلات الخارجية بدءاً من الاستعمار الفرنسي إلى التدخلات السياسية من قبل دول أخرى .ومنذ استقلالها في عام 1956، سعت تونس إلى بناء سياسة خارجية متوازنة تعتمد على مبدإ عدم التدخل واحترام سيادتها. فتجربة الاستعمار أثرت بشكل كبير على الوعي الوطني التونسي وأثارت رغبة في استقلال كامل عن القوى الخارجية ذلك أنه بعد الاستقلال، سعت تونس إلى بناء هويتها السياسية والاقتصادية بعيداً عن الهيمنة الأجنبية .

و تسعى تونس إلى تحقيق الاستقرار الاقتصادي من خلال استراتيجيات تعتمد على الاستقلالية وتعظيم الاستفادة من الموارد المحلية إذ تعتبر بلادنا أن السيادة الوطنية مكسب يتوجب الحفاظ عليه وعدم قبول أي تدخلات قد تؤثر على قراراتها السيادية، بالرغم من الخطوات التي أرساها مسؤولو صندوق النقد الدولي في معالجة وتصويب وتنفيذ بعض المخططات في تونس قبل الثورة وبعدها بسنوات قليلة.

كما تسعى أيضا إلى توسيع قاعدة اعتمادها على مواردها الذاتية من خلال عدة استراتيجيات اقتصادية تتمثل في العمل على تعزيز الاقتصاد المحلي من خلال تحسين البنية التحتية ، جذب الاستثمارات ، وتعزيز القطاعات الاقتصادية الرئيسية مثل السياحة والفلاحة والصناعة غير أن هذه القطاعات لم تحقق المؤشرات المرجوة منها سيما في ظل عدم استقرار الوضع الاقتصادي عالميا إثر نشوب الحرب الروسية الأوكرانية والتي سبقتها أزمة كورونا .

من جهة أخرى فإنه في ما يتعلق بالتنمية المستدامة،سعت بلادنا إلى تطوير مشاريع التنمية والاستفادة من الموارد الطبيعية كالفسفاط والمياه والمساحات المزروعة والمغروسة لتحسين  الميزان التجاري ومحاولة تحسين مستوى المعيشة وتقليل الاعتماد على المساعدات الدولية في هذا الجانب .

ولهذه الأغراض ظهرت بعض المؤشرات على غرار تنفيذ إصلاحات اقتصادية اعتبرها البعض موجعة في ما تؤكد الحكومة أنها  تعزز من قدراتها على مواجهة التحديات الاقتصادية والمالية بشكل مستقل على غرار الشروع في رفع الدعم عن عديد المنتجات مقابل محاولات للرفع الرمزي من موارد مالية مخصصة للفئات الهشة دون غيرها من الطبقة الشغيلة .

فرغم الجهود المبذولة ، تواجه تونس تحديات عدة قد تؤثر على قدرتها على الاعتماد الكامل على مواردها الذاتية ومنها ارتفاع معدلات البطالة والتضخم وهوما قد يضغط على الحكومة لتوسيع التعاون الخارجي كما قد تكون هناك حاجة للاستثمارات الأجنبية لتنمية البنية التحتية وتعزيز النمو الاقتصادي في ظل شح الموارد المالية المحلية .

في المقابل، هناك فرص كبيرة يمكن استغلالها لتحقيق أهداف الاستقلالية على غرار التعاون الإقليمي وتعزيز التعاون مع الدول المجاورة في مجالات مثل التجارة والطاقة والاسهام في تعزيز الاستقلال الاقتصادي بقرارات تحفظ السيادة الوطنية وتصون الكرامة المواطنية في الحقوق المكتسبة بما أن بلادنا لاتزال بعيدة عن المؤشرات الدولية المرجعية في نسب الفقر والبطالة والأمن الغذائي .

من الجانب الآخر، تعتبر التنمية الاجتماعية أحد الأهداف الرئيسية لأي سياسة تنموية في الدول النامية، حيث تسعى إلى تحسين جودة حياة الأفراد وتعزيز قدراتهم على المشاركة الفعالة في المجتمع، وفي تونس، تعد التنمية الاجتماعية جزءاً لا يتجزأ من الاستراتيجيات الوطنية التي تهدف إلى تحقيق الاستقرار والتنمية المستدامة .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

دور الشركات الأهلية في تطوير السياحة الإيكولوجية : مشاريع تنتظر التفعيل في حال توفير الدعم والتسهيلات الضرورية

تمثل السياحة الإيكولوجية نموذجًا مستدامًا يتماشى مع أهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية و…