تعيش تونس هذه الأيام ديناميكية مهمة تشمل الجانب السياسي والاقتصادي والاجتماعي ويمكن اعتماد مقاربة متعددة الأبعاد والتخصصات للإجابة على أسئلة الراهن الفائر.

فإذا كنا قد أحيينا منذ يومين ذكرى  عيد الجمهورية فإن ملامح هذه الجمهورية اتخذت أبعادا جديدة منذ ان رفع الفاعل السياسي شعارات متصلة بالسيادة الوطنية واعتبارها خطا أحمر لا ينبغي المساس به من قريب او بعيد ومراعاة الندية في كل العلاقات البينية مع الأشقاء والأصدقاء وهذه الشعارات هي بمثابة الرهانات التي يمكن القول انها تحدد الرؤية العامة اليوم في تونس.

فقد اتضحت معالم الطريق بالنسبة الى التونسيين من خلال إرادة سياسية لا لبس فيها اتخذت من سيادة القرار الوطني وكل ما يمكن ان يجسده خيارا لا رجعة فيه.

ورغم ان الأزمة الاقتصادية خانقة إلا انه ثمة حراك لا يمكن إنكاره في  السنوات  القليلة الأخيرة من أجل مجابهة التركة الثقيلة التي خلّفها حكم عقد من الزمن غابت فيه الحوكمة الرشيدة وطغى فيه الفساد واستشرى بشكل غير مسبوق. وواضح اليوم ان النية تتجه نحو قطيعة نهائية مع هذا الإرث الثقيل سواء في الجانب الاقتصادي او السياسي او في الخيارات التنموية والمجتمعية الكبرى.

وقد بدأنا نلمس حلحلة في بعض الملفات الكبرى المتصلة بكثير من القطاعات الحيوية وفي مقدمتها قطاع الزراعات الكبرى والمياه والري والسدود وغيرها من المجالات التي تتصل بحياة المواطنين وأمنهم الغذائي وهو من القطاعات السيادية الكبرى اليوم.

وقد تجلّى هذا الأمر من خلال اهتمام أعلى هرم في السلطة بهذه القطاعات الحيوية ومواكبتها عن كثب عبر المعاينة المباشرة والزيارات الميدانية المكثفة المتبوعة بتحميل المسؤولية ومعاقبة المقصّرين.

كما ان التوجه نحو تحلية مياه البحر عبر انطلاق وحدة قابس ثم صفاقس  في انتظار انتهاء أشغال وحدة سوسة هو من  المؤشرات الإيجابية حقا التي ستعجّل بالتخفيف من حدة التغيرات المناخية التي جعلت بلادنا تدخل دائرة الشح المائي.

والأكيد أن التوجه نحو إيجاد حلول جذرية للوضع المائي في تونس سيعجّل حقا بتطوير قطاع الحبوب نحو الاكتفاء الذاتي.

وفي هذا الإطار تجدر الإشارة إلى انه تم تجميع حوالي 6,6 مليون  قنطار من الحبوب الى حدود 21 جويلية الحالي وفق ما اعلن عنه ديوان الحبوب يوم الأربعاء الموافق لـ24 جويلية 2024 علما وأنه لم يتم الانتهاء من تجميع الصابة بشكل تام.

وتسجل  ولاية باجة أعلى الكميات المجمعة بنسبة 27 بالمائة من اجمالي المحصول المجمّع ثم تليها ولاية بنزرت التي سجلت حوالي  نسبة 20 بالمائة من الكمية الجملية وتلتها كل من ولايتي جندوبة والقيروان بنسبة 14 بالمائة.

ووفق ديوان الحبوب فإن الكمية الأكبر من القمح الصلب وبلغت النسبة 88 بالمائة من إجمالي المحصول. في حين توزعت باقي الكميات على القمح اللين والشعير وغيرها.

ومن المهم التأكيد على أن بلادنا سجلت تحسّنا في كمية الحبوب هذا الموسم بالمقارنة مع الموسم الماضي الذي كانت حصيلته الاجمالية 5,3 مليون قنطار. ولكن هذا التحسن ظل طفيفا بالنظر الى تواتر سنوات الجفاف وانحباس الأمطار،  وما تزال تونس تخصص حيزا من الاعتمادات المالية لتوريد القمح على غرار اغلب البلدان.

والأكيد أنه في إطار الحرص على ضمان الأمن الغذائي والتأكيد على السيادة في هذا القطاع المهم تحرص تونس اليوم على توفير كل الإمكانات من أجل تطوير منتوجها من الحبوب وتحديدا من القمح الصلب الذي يسهل تحقيق الاكتفاء الذاتي فيه. ويمكن هنا المراهنة على تحلية مياه البحر لتوفير المياه الصالحة للشرب وتخصيص كميات اكثر من مياه السدود للري في المجال الفلاحي بالنظر الى توالي سنوات الجفاف. كما ان تعهد السدود والأودية بالصيانة والجهر سيحسّن من مخزون المياه الناتجة عن الأمطار. هذا بالإضافة الى خيارات كثيرة مطروحة بجدية من قبيل بناء سدود أخرى ومثال ذلك ملاق الجديد الذي هو بصدد الإنجاز بالتعاون مع جمهورية الصين الشعبية ثم التوجه حتى الى الاستمطار الصناعي إذا اقتضى الأمر وتوفرت إمكانات الاستثمار في هذا الخصوص.

وصفوة القول اليوم إن تونس المراهنة وبقوة على سيادتها تضع في اعتبارها أولا تحقيق السيادة الغذائية وتراهن على تحقيق احتياجاتها الأساسية بفضل جهود أبنائها وبالخيرات التي حبتها بها الطبيعة وبقطع دابر الفساد الذي استشرى في كل القطاعات ومن بينها القطاع الفلاحي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

التشغيل في تونس : «أم المعارك» التي لا بدّ من خوضها

لا شك ان احد الرهانات المطروحة على تونس اليوم هو التشغيل بكل ما يعنيه هذا الملف من تعقيد  …