اذا كانت مشيئة التاريخ والجغرافيا ان تكون البلدان المغاربية متقاربة ومتكاملة وتربطها وشائج قربى لا تعدّ ولا تحصى فإن الحكمة تقتضي ان يستجيب العقل السياسي المغاربي لهذه المعطيات وان يوظفها افضل توظيف لفائدة الشعوب المغاربية.
ومعلوم ان تونس التي كان تسمى افريقية قديما كانت دوما وفي كل المراحل قلب المغرب العربي ومنها انطلقت النداءات التوحيدية سواء في العصور الوسطى او حتى في المرحلة المعاصرة ومن الأكيد أيضا ان ليبيا والجزائر يشكلان مع تونس النواة الصلبة للمغرب الكبير دون ان نغفل طبعا عن مكانة المغرب الأقصى وموريتانيا.
ولعل هذه الإشارة مهمة جدا في السياق وفي ظل ما تعيشه منطقتنا العربية من تحديات بالإضافة الى التحولات العميقة التي يعيشها العالم عموما واقليمنا على وجه الخصوص.
وفي هذا الإطار يمكن تنزيل الحدث الاقتصادي المتمثل في إنشاء مجلس شراكة بين منظمات أصحاب العمل بتونس والجزائر وليبيا. فقد شهدت العاصمة الجزائرية اجتماعا للمنظمات الثلاث يوم أول أمس الإثنين وتم الاتفاق خلاله على هذا الأمر.
وقام كل من سمير ماجول رئيس الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية وكمال مولى رئيس مجلس التجديد الاقتصادي الجزائري ومحمد عبد الكريم الرعيض رئيس الاتحاد العام لغرف الصناعة والتجارة والزراعة بليبيا بتوقيع بروتوكول تأسيس هذا المجلس.
ويأتي هذا التوقيع على إنشاء مجلس شراكة لأصحاب العمل في هذه البلدان للتأكيد على ان التعاون الاقتصادي حتمية لا فكاك منها بين هذه الدول وان العمل المشترك بين أقطار المغرب العربي وتحديدا تونس وليبيا والجزائر هو المصير الذي لابد منه من أجل النهوض بهذا الكيان خاصة مع توفر الإرادة السياسية في هذه الظرفية.
ومعلوم ان قادة هذه البلدان الثلاثة قد التقوا بدعوة من رئيس الجمهورية قيس سعيد في تونس ، الذي اجتمع بالرئيس الجزائري عبد المجيد تبون ورئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد يونس المنفي من أجل تنسيق العمل وإيجاد الآليات لتطوير التعاون ودعم العلاقات البينية وتعزيزها. فقد احتضنت بلادنا قمة تشاورية في افريل الماضي وتمثلت مخرجاتها الأساسية في التشديد على أهمية توحيد المواقف وتكثيف التشاور والتنسيق لتدعيم مقومات الأمن والاستقرار والتنمية بالفضاء المغاربي وتعزيز مناعته خاصة مع بروز متغيرات ومستجدات إقليمية وازمات دولية متلاحقة وفارقة أيضا ولم يعد بإمكان أي دولة مجابهتها بمفردها.
ووفق ما تم تداوله في وسائل الإعلام فإن تأسيس هذا المجلس جاء عقب مشاورات وتباحث بين المنظمات الثلاث وكان التتويج بهذا الاجتماع المهم الذي احتضنته الجزائر.
وقد جاء في البيان الصادر عن المنظمات الثلاث عقب هذا الاجتماع أن الهدف من وراء تأسيس مجلس للشراكة هو تحقيق الاندماج الاقتصادي الشامل وتعزيز دور القطاع الخاص من أجل دعم الجهود المشتركة في مجالات التنمية والتجارة والاستثمار وتوفير كل إمكانات التعاون فيها. هذا إلى جانب تمتين قدرات كل بلد على مجابهة التحديات التي تواجهه.
والواضح ان البلدان الثلاثة باتت تدرك ان التعاون المشترك سواء في القطاع العام وتحديدا في القطاع الخاص يمكن ان يسهل الخروج من الإشكاليات الاقتصادية التي تعيشها البلدان الثلاثة بأقدار متفاوتة كما انه يخفف من آثار الأزمات الاقتصادية العالمية على اقتصاد كل بلد.
ومن المنتظر ان يعمل هذا المجلس من أجل تطوير المناطق الحدودية وانشاء فضاءات للتبادل الحر وكذلك إقامة مناطق صناعية ذكية.
ويهدف هذا المجلس كذلك إلى خلق ديناميكية في العمل المشترك بين هياكل القطاع الخاص في كل من تونس والجزائر وليبيا. وتحفيز الفاعلين الاقتصاديين الخواص لينخرطوا في الجهود التي تبذلها الهياكل الرسمية في مجالات التنمية في البلدان الثلاثة.
وإذا كانت هذه هي الرؤى والآفاق التي يقترحها هذا المجلس من الناحية النظرية فإن هناك خطوات تطبيقية سيقوم بها المجلس عمليا على غرار تنظيم ملتقيات دورية لدعم الشراكة بين مختلف هذه البلدان. وستعقد بالتناوب في كل بلد وستجمع القطاعين العام والخاص من اجل تحفيز التعاون بينهما في مجالات التنمية المختلفة.
كما سيتم توحيد الإجراءات العملية التي تكفل سهولة ومرونة في تبادل البضائع وفي المعاملات المالية البينية. وهناك مقترح كذلك في هذا الخصوص بإنشاء بنك للمعلومات موحد لفائدة كل المتعاملين اقتصاديا سواء في تونس او الجزائر او ليبيا.
عن المنظومة التربوية مرة أخرى..
هل بدأنا نحصد ما زرعناه ومن يزرع الشوك يجني الجراح كما قال شاعرنا الخالد أبو القاسم الشابي…