في الشأن التربوي : إلغاء مسالك جامعية أو إضافة مسالك جديدة، إجراء حكيم، لكن !
أثارت قرارات وزارة التعليم العالي والبحث العلمي إلغاء عدة مسالك جامعية ( عروض تكوين ) في منظومة التوجيه بداية من السنة الجامعية القادمة 2024 – 2025 ، عدة انتقادات من طرف المهتمين بالشأن الجامعي خاصة . ومن بين ما ركزت عليه الانتقادات أن عملية الإلغاء شملت من بين ما شملت عدة مسالك دراسية في مؤسسات جامعية بالمناطق الداخلية التي تشكو من ضعف التنمية فيها منذ عقود حسب المنتقدين خاصة وأن إرساء تعليم عال فيها يعتبر رافدا من روافد التنمية . وبعيدا عن التجاذبات التي أثارها الإجراء نتساءل هل يمكن حذف أو إضافة شعب جامعية دون تقييم علمي لجودة التكوين فيها ولمردوديتها ؟ وإن كان ذلك كذلك فما هي المعايير التي يفترض أن تعتمد في تغيير أي خارطة جامعية ؟
علّلت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي حذف جملة من المسالك الجامعية بنقص في عدد الطلبة المسجلين فيها. وقد شمل الإلغاء شعبا في مجالات اللغات والفنون والعلوم الأساسية ببعض الجهات مثل توزر و سيدي بوزيد والكاف وقفصة وجندوبة وقابس وتونس… ويعتبر هذا الإجراء حكيما حينما يتطلب الأمر ذلك لكن يكون بمعايير سنشير إليها لاحقا . وهذه هي الشعب المحذوفة كما استقيناها من موقع التوجيه «أورينتيني» بالتنسيق مع زميلنا في الإعلام والتوجيه حسين المستوري المشرف على الموقع مشكورا .
أشار الموقع إلى حذف 239 عرض جامعي ( شعبة جامعية أو مسلكا جامعيا ) من بينها ثلاثة مسالك تم حذفها بشكل تام وهي الإجازة في حفظ الموروث الثقافي المادي وترميمه بالمعهد العالي للحضارة الإسلامية بتونس، والإجازة في تثمين التراث وتنميته بالمعهد العالي لمهن التراث بتونس، والإجازة في التكنولوجيات الغذائية والمحيط بكلية العلوم والتقنيات بسيدي بوزيد . وبين الموقع أن الاختصاصات المحذوفة من المؤسسات الثلاثة كانت تتسع لـ 190 مقعد بقي منها 171 مقعد اللدورة النهائية للتوجيه سنة 2023 . ولاحظ الموقع أن 103 من العروض الجامعية المحذوفة لم يتم توجيه أي ناجح إليها في سنة 2023. وأن 180 منها تجاوز عدد المقاعد المتبقية فيها للدورة النهائية 60 %. وأن 33 عرضا جامعيا استنفدت مقاعده في الدورة الرئيسية لكن كانت أغلب المقاعد في حدود 1 إلى 4 وأقصاها 11 مقعدا . كما أن 13 منها تشغيليتها متوسطة والبقية تشغيليتها أضعف. كما أشار الموقع إلى أن 17 عرضا لم يتم عرضها في الدورة الرئيسية للتوجيه الجامعي 2023 منها 4 عروض تم عرضها في الدورة النهائية فقط. وأن 130 عرض تم عرضها في الدورة الرئيسية وبقيت كل المقاعد للدورة النهائية . وهنا نتساءل هل أن هذه الإحصائيات وحدها كافية لاتخاذ قرارات الحذف أو الإضافة ؟ من الواضح أن معيار عدد المسجلين أو الراغبين في شعبة جامعية معينة مهم لتقييم أهمية تلك الشعبة الدراسية، لكن هناك معيارين آخرين لا يمكن التغاضي عنهما في تقييم عروض التكوين الجامعي بهدف تغيير أي خارطة توجيه جامعية وهما معيار العلاقة بسوق الشغل ، ومعيار التغيرات التكنولوجية العالمية .
في علاقة بالتشغيل
إن ما نلاحظه في قراءة لسوق الشغل اليوم ارتفاع عدد العاطلين عن العمل من أصحاب الشهادات العليا والبالغة نسبتهم 23.2 % من مجموع العاطلين الذين يناهز عددهم 667 ألف . وهذا يدل على عدم التوازن بين الوظائف الشاغرة في سوق الشغل وعدد الخريجين المختصين لشغل تلك الوظائف والذين تطول بطالتهم لفترة تطول وتقصر حسب طلبات سوق الشغل بمعدل حوالي 3 سنوات بطالة لكل عاطل . ويؤكد هذا الخلل أنه في حين يزيد عدد الخريجين عن الحاجة في عدة وظائف ، نجد أن عديد الوظائف الأخرى تبقى شاغرة لعدم وجود خريجين في الاختصاص يشغلونها . وأكد ذلك التقرير الوطني حول التشغيل الصادر عن المعهد العربي لرؤساء المؤسسات سنة 2019 . وهذا يعني أن هذا المعيار المهم لا يتم توظيفه بالصورة المثلى عند اتخاد قرار إرساء شعب جديدة أو إلغاء شعب لم تعد ذات أهمية في سوق الشغل رغم أنه تم اعتماد هذا المعيار بصورة محتشمة عند حذف بعض الشعب التي تعتبر تشغيليتها ضعيفة لكن وبالمقابل هناك عدة شعب شبيهة لم يتم حذفها .
في علاقة بالتغيرات العالمية
أما بخصوص هذا المعيار فإن دراسة متأنية للتطورات التكنولوجية في العالم في كل المجالات تدعونا إلى تكثيف عروض التكوين الجامعي في الاختصاصات المطلوبة مستقبلا والتي ستفرز مهنا جديدة سيختفي بموجبها حسب الدراسات حوالي 74 % من الوظائف والمهن التقليدية . ورغم أن هناك مسالك دراسية جديدة في المجال في الجامعات التونسية مثل الاقتصاد الأخضر والفلاحة العمودية والتحول الرقمي والتصرف في النفايات والذكاء الاصطناعي والجيوماتيك وغيرها .. إلا أن اختصاصات عدة يمكن دمجها تحسبا للمستقبل في المجالات الأمنية والحماية والرقابة الالكترونية وفي مجال الفضاء والمناخ والاحتباس الحراري والهندسة الايكولوجية والطاقات البديلة وهندسة صناعة الروبوتات والطائرات المسيرة المدنية والعسكرية وتطبيقاتها. وهذا يتطلب حذف عدة مسارات تكوينية ستضمحل عن الوجود مثل الترجمة بأنواعها وتعوضها التطبيقات…
وهكذا ننتظر أن تتخذ منظومة التوجيه قرارات إلغاء الشعب أو إضافة شعب جديدة وفق المعيارين بحيث توفر المنظومة اختصاصات تستجيب لمتطلبات سوق الشغل من جهة، ومن جهة أخرى تكوَن في اختصاصات جديدة مرتبطة بالمهن الجديدة تكون لها حصتها في سوق الشغل .
في الشأن التربوي : نجاعة التدريس للتصدّي للدروس الخصوصية
انشغل الرأي العام في تونس في الفترة الأخيرة بظاهرة الدروس الخصوصية وكيفية التصدي لها . وكن…