يبدو ان حراكا ما بدأ يدبّ في شرايين الاقتصاد الوطني وان هناك مؤشرات واعدة ما فتئت ملامحها تتضح تدريجيا في الآونة الأخيرة.

ومن بين المتغيرات التي يمكن ان نتوقف عندها بهذا الخصوص نتائج استطلاعات الرأي التي قامت بها غرفة التجارة والصناعة التونسية الألمانية حول مناخ الاستثمار في بلادنا وكانت النتيجة إيجابية جدا وواعدة الى حد كبير وذلك باعتبار أن الشركات الألمانية اعتبرت أن مستقبل معاملاتها في تونس مقبول وأن هناك آفاقا إيجابية رغم بعض التحديات  التي تواجهها.

والحقيقة أن هذا المعطى بالغ الأهمية ولا يمكن تجاوزه والقفز عليه في قراءة المعطيات الاقتصادية التونسية في اللحظة الراهنة.

ويمكن المضي في استقراء نتائج سبر الآراء المذكور أعلاه عبر التوقف عند نسبة 81 بالمائة من الشركات الألمانية المستثمرة في تونس والتي تم استجوابها  وجاءت النتائج لتؤكد أن هذه الشركات قد حققت استقرارا أو ارتفاعا في معاملاتها خلال سنة 2023 مقارنة بعام 2022 وهناك فقط نسبة 19 بالمائة من الشركات سجلت تراجعا في نسبة معاملاتها.

وهذه النتيجة قطعا إيجابية جدا وتفتح آفاقا كبرى على مستوى الاستثمار الألماني في تونس. ومعلوم أن هناك علاقات متينة بين تونس وألمانيا في مجالات اقتصادية عديدة وان الشركات الألمانية في تونس توفر مواطن شغل جديدة وتساهم بشكل مهم في الدورة الاقتصادية التونسية.

وليس هذا فحسب فقد جاء في نتائج الاستطلاع ان أصحاب الشركات المستجوبة قد اظهروا تفاؤلا بالنسبة الى السنتين الحالية والمقبلة، فهناك توقّع بأن تتحسن الأوضاع في أفق العامين القادمين.

بل إن هذا التقييم قد حفّز نسبة من هذه الشركات على الترفيع في عدد الانتدابات في صفوفها. وهذا مؤشر إيجابي قطعا يمكن البناء عليه ولا ينبغي الاستهانة به.

ومن خلال هذه المؤشرات يمكن ان نستشرف تطورا إيجابيا في مستوى التعاون التونسي الألماني من حيث تحسن نسبة الاستثمار وزيادة الحاجة الى يد عاملة إضافية. وقبل هذا كله نتأكد ان هناك ثقة واطمئنانا من قبل الطرف الألماني بشأن الوضع في تونس عموما والوضع الاقتصادي على وجه الخصوص. وبناء على الجدية والصرامة المعروفة عن الشركاء الألمان فإن ثقتهم هذه جاءت بناء على تحسن حقيقي في مؤشرات الوضع الاقتصادي في تونس وان هناك تطورا حقيقيا من شأنه أن يجعلنا نخرج من الأزمة الخانقة التي تردت فيها تونس منذ ما يزيد عن العقد.

ورغم ان هناك حوالي 70 بالمائة من المستجوبين قد أعربوا عن تفاؤلهم بأن تصبح تونس قطبا اقتصاديا مهما في افريقيا  بالنظر الى المزايا التفاضلية التي تمتلكها وفي مقدمتها الموقع الجغرافي الاستراتيجي وتوفر اليد العاملة بأسعار تنافسية ، إلا ان بلادنا مدعوة الى رفع مجموعة من التحديات ومن بينها مراجعة بعض الإجراءات الإدارية والجمركية والتصدي للتضخم ولتراجع سعر الدينار التونسي.

ويتزامن هذا المؤشر الجيد والايجابي مع معطيات أخرى مهمة وواعدة ومن بينها تراجع العجز التجاري خلال النصف الأول من السنة الحالية رغم أنه مايزال متأخرا بالعجز الطاقي.

والأكيد أن هناك دينامية اقتصادية بدأت تبرز تدريجيا في اتجاه ان يستعيد الاقتصاد التونسي عافيته فقد ارتفعت قيمة  الصادرات التونسية  خلال النصف الأول من هذه السنة بالمقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي.

والأكيد ان مثل هذه المؤشرات الإيجابية والواعدة تبعث روح التفاؤل في  النفس وتحيل على ان هناك تطورات تحدث في المجال الاقتصادي في انتظار ان يتراجع التضخم هذا الغول الذي يهدد المقدرة الشرائية للمواطنين وان تبدأ نتائج المؤشرات الإيجابية في ترك آثارها الجيدة على المعيش اليومي للتونسيين وتتحسن بعض المتغيرات من قبيل نسبة النمو وارتفاع نسق التنمية في البلاد. 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

عن المنظومة التربوية مرة أخرى..

هل بدأنا نحصد ما زرعناه ومن يزرع الشوك يجني الجراح كما قال شاعرنا الخالد أبو القاسم الشابي…