نحن في أتون صيف قائظ أعلن عن نفسه بوضوح مع انطلاقة شهر جويلية و مع بدايات تسجيل أرقام قياسية في درجة الحرارة ومن الطبيعي ان تطفو إشكالية المياه من جديد على السطح خاصة مع تعالي أصوات مواطنين من جهات كثيرة من الجمهورية تتذمر من انقطاع الماء في هذا الطقس الحار. وبدأت مواقع التواصل الاجتماعي تتداول صورا وفيديوهات لمواطنين من الشمال يعانون من العطش حرفيا ويبحثون عن ينابيع ماء على بعد عشرات الكيلومترات من مساكنهم في الأرياف وفي مناطق نائية جدا.

وهذه  المكابدة تعود سنويا وتعيد الى الأذهان سؤال كيفية مجابهة ظاهرة التغيرات المناخية والفقر المائي الذي باتت بلادنا تعيشه منذ سنوات.

وتأتي الإجابة سريعا على هيئة أمر ملموس تمثل في انطلاق مشروع تحلية مياه البحر في صفاقس وقبله بقليل مشروع تحلية المياه في الزارات من ولاية قابس. وهذا يحيل على أن إمكانات الخروج من إشكالية الشح المائي موجودة وتكفي الإرادة السياسية في المقام الأول ثم توفير الاعتمادات المالية لهذا الغرض لمجابهة هذه المسألة وتجاوزها.

والأكيد ان انطلاق عمل محطتي تحلية المياه بكل من قابس وصفاقس سيكون بمثابة النقلة النوعية في مجال توفير الماء الصالح للشراب لمواطني الجنوب التونسي. ومعلوم ان سكان هذه المناطق يعانون «تقليديا» من نقص المياه نظرا لطبيعة مناخ وطقس هذه الربوع وبالتأكيد كان وقع التغيرات المناخية عليهم أشد وطأة سواء من خلال ارتفاع درجات الحرارة بشكل غير مسبوق وقياسي او من خلال النقص الفادح لكميات الامطار التي تتساقط سنويا في هذه الجهة لاسيما في السنوات الأخيرة التي عشنا فيها حالة جفاف قاس.

ومن الطبيعي ان يتضرر سكان ربوع الجنوب من ظاهرة الاحتباس الحراري التي مسّتهم في معيشهم اليومي عبر نقص الموارد المائية والانقطاع المتكرر للمياه للدواعي التي ذكرناها آنفا. لكن وجود محطتين لتحلية مياه البحر في كل من صفاقس وقابس  سيكون حلا ناجعا يوفر  حاجيات المواطنين من الماء الصالح للشراب دون عناء.

وبالإضافة الى محطتي تحلية المياه بصفاقس وقابس واللتين يمكن القول إنهما دخلتا حيز العمل رسميا فإن هناك محطة أخرى لتحلية مياه البحر بسوسة ما تزال قيد الإنجاز. ومن المنتظر ان تغطي هي الأخرى حاجيات العديد من مواطني الساحل والوسط ولكن لابد  من التسريع في إنجازها بعد التباطؤ الكبير المسجل في انجاز المحطتين السابقتين.

والجدير بالذكر انه تم اعداد استراتيجية وطنية للمياه في أفق عام 2035 ستعمل على مجابهة التغيرات المناخية الرهيبة التي بتنا تحت وقعها وأصبحت تشكل تهديدا حقيقيا للبلاد التونسية التي تعيش فقرا مائيا مدقعا بات يؤثر بشكل واضح على النشاط الزراعي وعلى توفر حاجيات الماء الصالح للشراب.

والواضح اليوم وبناء على ما يقوله الخبراء والمختصون في الموارد المائية فإن تحلية مياه البحر يمكن ان تكون حلا ناجعا لبلادنا تفاديا للنقص الحاد في كميات الأمطار المسجلة وتراجع مخزون المياه في السدود. ولكن علينا الإقرار ان هناك حلولا موازية يمكن الاشتغال عليها على غرار بناء سدود جديدة وهو ما تمضي فيه تونس منذ فترة وأهم مشروع بلا منازع هو تشييد سد وادي ملاق الجديد الذي هو قيد الإنجاز حاليا بالتعاون مع جمهورية الصين الشعبية. وفي هذا الإطار من المهم المراهنة على التعاون مع بعض البلدان الصديقة والشقيقة بتوفير استثمارات في مجال المياه سواء بناء محطات لتحلية مياه البحر او تشييد سدود بمقاييس جديدة على غرار تلك المغطاة والتي يعتمد فيها على الطاقة الشمسية.

والأكيد ان ملف المياه والإشكاليات المطروحة قد طرح في بلادنا بشكل استشرافي منذ 2005 ولكن الأحداث التي تلت 2011 أخّرت هذه الخطط ومع تعاقب حكومات انغمست في الشأن السياسي  الصرف والسجال في قضايا من قبيل الجدل البيزنطي والتساؤل «عن جنس الملائكة» تفاقمت الوضعية المعيشية للتونسيين في كل المجالات وفي مقدمتها إشكالية المياه حتى وجدنا انفسنا وجها لوجه مع التداعيات الخطيرة للانحباس الحراري.

ولكن هذا أصبح من الماضي مع توفر الإرادة السياسية الحقيقية في حلحلة  كل الملفات الحارقة ومن بينها ملف المياه الذي بدأ يأخذ طريقه الى الحل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

عن المنظومة التربوية مرة أخرى..

هل بدأنا نحصد ما زرعناه ومن يزرع الشوك يجني الجراح كما قال شاعرنا الخالد أبو القاسم الشابي…