يمكن القياس عليها وتعميمها على سائر البلاد : خطة وطنية لضمان التزود بالماء الصالح للشرب
مع اشتداد موجة الحرّ، ومع الانطلاق الفعلي في الاستغلال المكثّف للماء، يبدو أن لا مناص امام السلطات المعنية من اعادة ضبط خطة وطنية لضمان التزود بالمياه الصالحة للشرب أولا، وبباقي المستحقات المالية ثانيا، مع المحافظة قدر الامكان على ترتيب الاولويات، خاصة وأن عديد القطاعات لا تلتزم عادة بالمسؤولية المائية، وتستنزف المائدة والمخزون بلا شفقة ولا رحمة، خاصة بعض الفنادق والمنتجعات السياحية، وحتى بعض مالكي المساحات الزراعية السقوية الكبرى.
وهذه الخطة ليست غريبة على الدولة، خاصة وانه يقع رسمها وتداولها عادة على مستوى جهوي، وكثيرا ما نجحت في الحد من العطش على الاقل، وحماية أكثر ما يمكن من ضمانات ان لا يعطش الناس في أشهر الحرّ. آخر مثال على ذلك ما اقدمت عليه السلط الجهوية في ولاية سليانة حيث “ضبطت اللجنة الاستشارية للهياكل المهنية في قطاع الفلاحة والصيد البحري، خطة جهوية لتحسين أداء المجامع المائية وضمان التزود بالماء الصالح للشرب…”.
أي ان الادارة التونسية قادرة على تجنب الاسوأ في صورة ما اذا قررت فعلا ان تتجند لترشيد الاستهلاك، وحماية الاولويات في السقاية والريّ، والبحث الجدي عن بدائل حقيقية للمائدة المائية التي بدات تتراجع، وللامطار التي انحبست منذ أكثر من ست سنوات.
المشكلة هي في القرار الاداري الذي لا يمكن انجازه بموظفين لا يغادرون مكاتبهم ولا يعرفون ما ينجزونه الا من خلال ما هو مكتوب أمامهم في الورق، وفي سلط جهوية يعتقد أغلبها ان مهمته الرئيسية هي اقناع الناس بان هناك انجازات، وليست تحقيق تلك الانجازات، وفي تشريعات متداخلة وصلاحيات متضاربة لا يوجد بينها رابط، ولا خطة طوارئ تلغي كل ما من شأنه عرقلة المهمة.
السيد والي سليانة وليد العبّاسي قال في تصريحات اعلامية بداية الاسبوع أنه “تم تكوين فريق جهوي للنظر في جملة الإشكاليات، فضلا عن توحيد الإجراءات المعتمدة في تحسين مردودية وأداء المجامع المائية من ناحيتي التسيير الاداري والمالي وتفعيل اللجان المحلية، ومقاومة الربط العشوائي، وتتبع المخالفين…”. ومشكل اغلب هذه المجامع المالية التي يقع الاعتماد على اغلبها في توفير المياه الصالحة للشرب والسقاية، هي المديونية تجاه الشركة التونسية للكهرباء والغاز، والشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه الى غاية شهر جوان المنقضي، والبالغة 710 الاف دينار (في سليانة وحدها) إلى جانب عدم فاعلية الهيئات ونقص الموارد المائية، والتأخر في إنعقاد الجلسات العامة والمحاسبة المالية، وضعف انخراط المنتفعين بالمجامع، وعدم مسك جميع وثائق الاستغلال والتسيير، وتزايد الترابط بين المنظومات المائية وتعقيدها، حسب ما جاء في تقارير وقع اعدادها على أعلى المستويات جهويا ووطنيا. ومهمة السلط الجهوية بكل مستوياتها من اعلاها الى أدناها في هذه الفترة الشديدة الحرارة هي بلا شك الحرص على توفير المياه، والحرص بالخصوص على تجنب الانقطاعات، والحرص بالخصوص على ان يصبح توفير المياه همّا يوميا وشاغلا لا مفر منه لكل المتداخلين خاصة من الذين يستحقون المياه أكثر من غيرهم، للري او لتربية الماشية او حتى لنشاطات صناعية، لان الترشيد يبدأ من هناك، وليس من التركيز الفجّ على مواطن بسيط لا يستهلك الا بضع لترات في اليوم.
فالخطة الوطنية تقتضي ان تكون كل المجموعة الوطنية معنية دون استثناء، وان يساهم الجميع في ضمان توفر المياه خلال هذه الصائفة وفي المستقبل أيضا، لان المسألة لم تعد رفاها بل أصبحت مسألة حياة او موت، وبامكان السلطة المركزية ان تقيس على منوال الخطط الجهوية وتباشر خطتها الوطنية الشاملة قبل ان تصل البلاد الى مرحلة العطش.
ستكون خير تعويض للجدب الصيفي : غلال الخريف تشهد ارتفاعا ملحوظا في الكميّة والجودة
على عكس الصائفة التي مرّت تقريبا دون ان يشبع التونسيون من الغلال الموسمية التي تعودوا عليه…