بسبب تراجع أداء المؤسسة التربوية العمومية : المعاهد والإعداديات النّموذجيّة تبقى الهاجس الأكبر ..!
انطلقت أمس الجمعة عملية الإعلان عن نتائج «السيزيام»عبر الإرساليات القصيرة ، وتزيّنت مواقع التواصل الاجتماعي بأجمل التهاني لمن تمكنوا من الالتحاق بالمعاهد النموذجية وأيضا لمن تمكنوا من النجاح في هذه المناظرة دون الفوز بمقعد في النموذجي ، والمشاركة فيها من باب التجربة والاطلاع على أجواء المناظرات وكيفية إجرائها حيث صرحت وزيرة التربية سلوى العباسي أنّ نسبة النجاح في مناظرة السيزيام بلغت 39.67 بالمائة وبلغ عدد الذين تحصلوا على معدّل 15 فما فوق 4339 مترشّح، وتمّ توجيه 3680 إلى المدارس الإعدادية النموذجية.وقالت الوزيرة إنّ نسبة النجاح ارتفعت مقارنة بالعام الماضي والتي كانت في حدود 36.15 بالمائة.
وطبعا وفي هذا السياق وكما هو معلوم فان الالتحاق بالمدارس النموذجية يعد ّ هاجس كل العائلات التونسية وتقدم في سبيله سيلا من التضحيات على مدار السنة، تضحيات بالجملة والتفصيل في سبيل إلحاق منظوريهم بالاعداديات النموذجية . لاشك أن ملفّ المعاهد والإعداديّات النّموذجيّة يعد دليلا واضحا على أنّ المنظومة التربوية العمومية ، تشكو منذ ثلاثة عقود حالة مرضية بلغت حد انهيار كل مقومات التمدرس في ظروف ملائمة وأريحية تامة وبتنا نتحدث عن مدرسة عمومية آيلة للسقوط وخدمات بلغت الحد الأدنى المطلوب… ولعل حالة الوهن بمؤسساتنا التربوية العمومية جعلت العديد من الأطراف تنتقد المدارس النموذجية وتدعو إلى إلغائها باعتبار انها تلغي عنصر تكافؤ الفرص بين التلاميذ وتخلق شرخا كبيرا بين أفراد المنظومة التعليمية الوحيدة وتعديل البوصلة لإصلاح المؤسسة التربوية العمومية.
لا بدّ لنا أوّلا من التّساؤل في هذا السياق وككل مرة نتعرض فيها لموضوع حرص الأولياء على إلحاق أبنائهم بالنموذجيات على اختلاف أنواعها : ما الذي يميّز مؤسّسة نموذجيّة عن غيرها؟ وما الذي يجعل الأولياء يبذلون كلّ ما في وسعهم ليلتحق أبناؤهم بها ويقدمون كل انواع التضحيات في سبيل الحصول على مقعد بالنموذجي ؟ إنّ الأمر لا يمكن أن يكون متعلّقا بالبرامج المعتمدة، فهي ذاتها في كلّ المؤسّسات، كما لا يمكن أن يكون متعلّقا بدرجة الرّفاه، فهي ذاتها أيضا . إنّ ما يجعل المؤسّسات النّموذجيّة نموذجيّة بالفعل عنصران أساسيّان هما مواردها البشريّة من إدارة ومدرّسين، وتلاميذها المجتهدون، ويمكن أن نضيف إلى ذلك بعض ما توفّره من خدمات بسيطة ولكنّها غابت في باقي المؤسّسات التّربويّة خلال العقود الأخيرة، ونقصد بها خاصّة فضاءات المراجعة والعمل الجماعيّ ونظام نصف الإقامة وكل مقومات التمدرس في ظروف ملائمة في مؤسسات تربوية في حالة مرضية منذ عقود وتزداد سوءا سنة بعد اخرى في انتظار الإصلاح الشامل الذي يمكن أن ينقذ ما يمكن انقاذه والابتعاد عن تلك المشهدية المؤلمة التي نراها في بداية كلّ سنة دراسيّة والمتمثلة في تزاحم الأولياء لنقلة أبنائهم إلى مؤسّسات تربويّة توفّر مناخا جيّدا للنّجاح، بل وإلى أقسام محدّدة في ذات المؤسّسة، وهو تزاحم يزداد حدّة عاما بعد عام، ويمكن أن يكون على حساب تلاميذ متميّزين لا يمتلك أولياؤهم الأدوات اللاّزمة لخوض غماره وهي في حد ذاتها ظاهرة تحتاج الوقوف عندها بكلّ عناية، لأنّها تتعلّق ببناء نخبة وطنيّة حقيقيّة تعيد للبلاد مجدها…
إستهداف المربين والمؤسّسات التربوية : السيناريو يتكرّر … و العنف بلغ درجة عالية من الخطورة
المنظومة التربوية في حاجة أكيدة اليوم للبناء على أسس صلبة تقطع مع كل التشوّهات التي طالت…