2024-07-05

مكافحة إستهلاك المخدرات:  ضرورة تطوير الإطار القانوني نحو العلاج وليس الزجر

مع تزايد نسبة الإدمان  في بلادنا كما في دول اخرى،وبلوغها لمستويات قياسية تتزايد بالتوازي مع ذلك  يوما بعد يوم الدعوات من أجل  اعتبار مدمني المخدرات والمواد الأخرى مرضى وضحايا يجب على الدولة علاجهم ، وعدم اعتبارهم مجرمين يستحقون الملاحقة والعقاب وتأتي هذه الدعوات المتكررة في ظل القانون عدد 52 الذي ولئن تم تعديله سابقا  جزئيا الا انه ما يزال  يجرّم متعاطي المواد المخدرة ولا يعتبره ضحية، ويقضي بسجنه لمدة عام على الأقل كعقوبة على تعاطيه المخدر مما جعل السجون تعج سنويا بالآلاف من الشبان الذين يغرّر بهم من طرف شبكات الترويج فيقعون فريسة سهلة بين فخاخهم لاسيما في المحيط المدرسي الذي تحوّل منذ سنوات إلى مصيدة حقيقية للتلاميذ اليافعين .

وفي اطار المجهودات الرامية الى مكافحة هذه الآفة كانت المتفقدة العامة بالادارة العامة للصيدلة والدواء بوزارة الصحة، ريم المنصوري حجري قد أعلنت في تصريحات إعلامية لها بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة المخدرات الموافق ليوم 26 من جوان من كل عام ان وزارة الصحة تعكف حاليا على اعداد مشروع قانون يعتبر الإدمان على المخدرات، مرضا مزمنا يجب معالجته، وليس جريمة تستوجب العقاب، مبينة أيضا أن هذه المبادرة التشريعية لوزارة الصحة والتي تم رفعها الى رئاسة الحكومة، ترمي الى اعتبار مستهلك المخدرات شخصا مريضا يجب معالجته مشيرة الى ان مشروع القانون تضمن عقوبات مشددة بالنسبة للمروّجين،مضيفة بأن توجه الوزارة نحومراجعة الاطار التشريعي فرضه الوضع المتعلق باستهلاك المخدرات في تونس والذي ينذر بالخطر بالنظر الى التطور الملحوظ لاستهلاك المواد المخدرة.

وتشير في هذا الصدد الى نتائج المسح الوطني حول استهلاك المخدرات والسلوكيات المحفوفة بالمخاطر في الوسط المدرسي الذي أعده المعهد الوطني للصحة والتي تبرز تطورا هاما لاستهلاك المواد المخدرة بالنسبة للتلاميذ من 13 الى 17 سنة.

وفي اطار الإعداد للعودة المدرسية القادمة 2025-2024، ستعمل ادارة الطب المدرسي والجامعي  بالتعاون مع وزارة التربية من اجل وضع خطة ترمي الى الوقاية من سلوك الادمان في الوسط المدرسي وذلك في اطار الاستراتيجية الوطنية للوقاية وتقليص المخاطر وعلاج الأضرار الناجمة عن تعاطي المؤثرات العقلية المحجّرة 2023 – 2027.

والى اليوم مايزال الجدل قائما حول «القانون 52» الذي اقرّ في العام 1992 خلال عهد الرئيس السابق زين العابدين بن علي، إذ ينص على عقوبة السجن لعام كحد ادنى بتهمة تعاطي المخدرات ويحظر في المقابل على القضاة أخذ أسباب تخفيفية في الاعتبار وهوما حذّرت منه العديد من المنظمات الحقوقية التونسية والعالمية والتي ارسلت  نداءات متكررة  للسلطات من أجل إعادة وضع مشروع إصلاح القانون 52 على جدول الأعمال وتعديله في اتجاه  إلغاء العقوبات الزجرية وتغييرها بالمقاربات العلاجية بشكل يسمح للمدمن بالعلاج الصحي و بالاستفادة القصوى من الدعم النفسي والاجتماعي الذي يعد جزءا لا يتجزأ من علاجه. كما يقترح العديد من الخبراء وضع سياسة جزائية جديدة تميز بين المستهلكين والمروّجين  والمنتجين، وتضمن الحق في العلاج من اضطرابات تعاطي المواد المخدرة.

وتؤكد  الاخصائية في علم النفس العصبي آية حريز المهتمة بمسألة السلوكيات الإدمانية، ولا سيما إدمان المؤثرات الذهنية والسياسات العامة في مجال المخدرات في تونس، في مقاربة سوسيولوجية علاجية لها على ضرورة وضع برامج لإعادة التأهيل النفسي والاجتماعي تأخذ في الاعتبار مشروع حياة متعاطيي المخدرات كأمر أساسي، مبينة ان هذه المقاربة تهدف إلى مساندة عملية الإقلاع عن التعاطي والتركيز على العلاج النفسي وإعادة الإدماج الاجتماعي والمهني.كما يهدف هذا التمشي وفق المختصة النفسية كذلك إلى تجنب الانتكاس من خلال توفير متابعة طويلة الأمد يمكن أن تمتد ّ على طول حياة الشخص. مشيرة أيضا إلى أن هذا  التمشي المتكامل يتطلب تعاونا وتنسيقا بين العديد من الهيئات الحكومية، بالأساس وزارات الصحة والشؤون الاجتماعية والعدل والتربية والتعليم، مع إقامة شراكات منفتحة وشفافة مع المجتمع المدني.

وتقترح المتخصصة ايضا اعادة فتح مركز إزالة السموم في صفاقس، بالإضافة إلى إنشاء مراكز أخرى لإزالة السموم وما بعد العلاج في مناطق مختلفة من الدولة.وتوفير التغطية الاجتماعية للأشخاص الذين يعانون من اضطرابات تعاطي المخدرات بالتعاون مع الصندوق الوطني للتأمين على المرض مع ضرورة اجراء دراسات إحصائية دورية على مستوى وطني  لتوفير أرقام ممثلة للواقع ولتحديد المستهلكين الأكثر حاجة للعلاج. وتطوير نظام طبي اجتماعي متخصص يهدف إلى استقبال المستهلكين الشباب مع عائلاتهم للحصول على رعاية أفضل ووضع بروتوكولات للوقاية من خلال تنفيذ برامج التدخل المجتمعي وتدخلات الأقران داخل المؤسسات التعليمية وذلك من أجل الانطلاق نحومقاربة تشريعية جديدة تعتبر مستهلك المخدرات ضحية تستحق العلاج لاسيما وان  عدد المستهلكين ارتفع  إلى ما يفوق 200 ألف مستهلك  رغم القانون الزجري الصارم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

ترسانة من القوانين والتشريعات : هل اكتملت حقوق الطفل ..؟

تكاد  العديد من الدراسات الرسمية وغير الرسمية الكمية منها والنوعية في تونس كما في غيرها من…