خلافا لما ذهب إليه بعض الأطراف بالقول بأن دعوة وزير السياحة محمد المعز بلحسين إلى ضرورة تقديم عروض خاصة للسائح التونسي وبأسعار مناسبة تتماشى مع مقدرته الشرائية، تدخل في خانة «الشعارات» التي لا تعكس الواقع، نعتقد أن هذه الدعوة مهمة جدا وتعتبر رسالة مباشرة إلى كافة الأطراف المتداخلة والهياكل المهنية والعملة في القطاع السياحي لتحمل مسؤولياتهم كاملة وضمان تحقيق المساواة بين جميع الأشخاص سواء من داخل تونس أو خارجها وتمكين التونسيات والتونسيين من التمتع بحقهم في الاصطياف في كافة المناطق السياحية والنزل بأسعار مقبولة تراعي مقدرتهم الشرائية وتتماشى مع مستويات أجورهم.

‎وكما هو معلوم تساهم السياحة الداخلية في تنشيط الحركة الاقتصادية والسياحية  بالتوازي مع مساهمة القطاع ككل  في تعبئة الموارد المالية من العملة الصعبة منذ عقود،وبامكان كافة الأطراف المتداخلة في القطاع السياحي من متعهدي رحلات وأصحاب النزل ووكالات الأسفار ومهنيين..التقاط هذه الدعوة ـ غير الملزمة ـ والانخراط في مسار إنجاح الموسم السياحي وتحقيق مجمل الأهداف التي تم ضبطها مسبقا والشروع في المستقبل في ضبط أولويات المرحلة المقبلة وتحقيق استقرار القطاع السياحي ومزيد تنويع عائداته وضمان صلابة كافة المنظومة السياحية من وحدات فندقية ونزل ووكالات أسفار وغيرها من الأطراف الناشطة في القطاع السياحي.

وبإمكان بلادنا من خلال تحمل كافة المسؤولين والمهنيين والأطراف المتداخلة في القطاع السياحي لمسؤولياتهم وبذلهم جهودا إضافية تحقيق هذه الأهداف التي نعتبرها في المتناول استنادا إلى نوعية وتميّز القطاع السياحي والصورة الجيّدة التي تحظى بها السياحة التونسية منذ عقود من خلال تنوعها وثرائها وجودة الخدمات المسداة.

ونرى أن الإستراتيجية الوطنية للترويج للوجهة السياحية التونسية والعمل المتواصل على ضمان استمرارية السوق التقليدية لدول الاتحاد الأوروبي  وباقي الأسواق الأخرى والانفتاح على أسواق جديدة من شأنها أن تمكّن من تحقيق انتعاشة السياحة التونسية وضمان صلابة القطاع في المستقبل خاصة ونحن لم نعد نتحدث اليوم عن تلك السياحة التقليدية فقط والتي كانت تقتصر في العقود السابقة على النزل والبحر، بل أصبحنا اليوم نتحدث عن السياحة الثقافية،أيضا من خلال تمكين السيّاح من زيارة مختلف المواقع الأثرية والتاريخية في البلاد التونسية، مثلما نتحدث عن السياحة الاستشفائية والسياحة الصحراوية… فثراء المخزون السياحي التونسي وتنوعه  وتميّز موقعنا الجغرافي يجعل من بلادنا بلدا سياحيا على مدار السنة وتحفة فنية تجمع المناظر الخلابة والطبيعة والبحر والصحراء والشمس والتاريخ والحضارة والثقافة في لوحة فنيّة فريدة من نوعها.

ونعتقد في هذا الإطار أن استكمال إنجاح تنفيذ برنامج الجودة الشاملة، الذي أطلقته وزارة السياحة منذ بداية سنة 2024،  يتدعّم من خلال الاستجابة إلى دعوة وزير السياحة محمد المعز بلحسين إلى وجوب إعطاء الأهمية القصوى للسياحة الداخلية لدورها في تنشيط الحركة الاقتصادية والسياحية، خاصّة في الجهات الداخليّة وتكثيف رقابة المؤسسات السياحية ودعوة جميع المهنيين إلى الالتزام بحسن استقبال السائح التونسي وتوفير أفضل الخدمات له، كما يجب أن تأخذ هذه الدعوة بالجدّية اللازمة من جميع الأطراف.

وتفيد آخر الأرقام أن القطاع السياحي حقق منذ بداية السنة إلى حدود 20 جوان الفارط، تطورا في العائدات السياحية بنحو 2.5 مليار دينار، وفق بيانات البنك المركزي أي بتطور بـ٪6 مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي،كما حقق القطاع في نفس هذه الفترة  تطورا في عدد الوافدين غير المقيمين، وفق البيانات الرسمية لوزارة الداخلية، ببلوغ 3.6 مليون وافد غير مقيم، أي بزيادة  بـ٪4 مقارنة بالفترة ذاتها من سنة 2023.

ونعتبر أن إنجاح الموسم السياحي يعدّ مسؤولية وطنية مشتركة تتكامل فيها الأدوار بين جميع الأطراف المعنية ، فالسائح التونسي اليوم، ليس مجرد مستهلك أو منتفع بالخدمات السياحية والفندقية بل هو مسؤول أيضا بنفس الدرجة مع مختلف الهياكل المهنية ووكالات الأسفار ومنظمي الرحلات وكذلك سلطة الإشراف ، في إعطاء صورة جيّدة عن السياحة في بلادنا بطرق مختلفة انطلاقا من السلوكيات المجتمعية وصولا إلى الترويج لسياحتنا والتعريف بمناطقنا السياحية وخصوصياتها.

كما يهمنا هنا أن نذّكر بدور بقية الأطراف الأخرى من العاملين في القطاع السياحي ومختلف الحرفيين في قطاع الصناعات التقليدية وكذلك الإعلام ودوره الرئيسي في نشر الثقافة والوعي بأهمية السياحة التونسية داخليا وخارجيا وإعطاء صورة إيجابية لمختلف المناطق السياحية التونسية وإبراز ثرائها وتميّزها والترويج لذلك عبر مختلف الوسائط.

فإذا كانت السياحة من أهم روافد التنمية ببلادنا، فإن السياحة الداخلية هي أحد الأركان الأساسية للقطاع السياحي، ونرى أن تطوير الخدمات المسداة للسيّاح التونسيين ليست مسؤولية أصحاب الفنادق فقط، بل إنها مهمة كافة الأطراف المتداخلة وعلى كافة الهياكل والمسؤولين في مختلف المناطق والجهات تكثيف جهودهم على مستوى تثمين مخزون بلادنا الطبيعي والثقافي ومواقعنا الأثرية  وتوفير مختلف الخدمات التي تحتاج إليها العائلات التونسية والاستجابة لانتظاراتها  ومزيد تشجيعها على السياحة الداخلية.

وتؤكد آخر المؤشرات أن بلادنا استرجعت خلال 2023 مؤشرات سنة 2019 بما جعل سلطة الإشراف تعتبر سنة 2023 سنة مرجعية وذلك بعد استرجاع حصص الأسواق المفقودة عقب جائحة كورونا، وتعمل سلطة الإشراف في هذا الصدد على استقطاب 10 مليون سائح مع موفى 2024 بما يجعل 2024 سنة إعادة التموقع والصحوة للسياحة التونسية.

فدعم السوق الداخلية التي مثلت إلى جانب السوق الجزائرية والليبية طوق نجاة في فترة تراجع السياحة في العالم بسبب مخلّفات جائحة كورونا ،يمثل وفق تقديرنا عاملا  ثابتا ورئيسيا من شأنه أن يساهم وبصورة كبيرة في تحقيق الصحوة السياحية التي تنتظرها بلادنا ورسمتها وزارة السياحة والأطراف المتداخلة في القطاع السياحي كأحد أول أهدافها الرئيسية لهذه السنة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

عن المضاربة والاحتكار مرة أخرى..!

مثّلت مختلف مجهودات أسلاك الأمن الوطني والنتائج الايجابية التي أسفرت عنها مؤخرا في التصدي …