عندما يتطاول «الأصدقاء» على تونس المستقلّة: «قلق» الأوروبيين يثير القلق..!
في خطوة نادرة صراحة، أصدرت سفارة تونس ببروكسيل عاصمة بلجيكا والاتحاد الأوروبي، بيانا ردّت فيه على تصريحات مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل في اجتماع مجلس الشؤون الخارجية الأوروبي يوم 25 جوان 2024، والتي أعرب من خلالها عن قلق الاتحاد الأوروبي البالغ إزاء تقارب تونس مع روسيا والصين وإيران، بل أكثر من ذلك تجرّأ على القول بأن الاتحاد يعتبر هذا التقارب بمثابة «تطور مثير للقلق».
السابقة لسببين وجيهين على الأقل، أولهما أن المسؤول الأوروبي تجاوز حدود اللياقة وتطاول على دولة مستقلة ذات سيادة بقطع النظر عن موقف مواطنيها من منظومة الحكم القائمة فيها فهذا خط أحمر أمام شأن داخلي بامتياز، وثانيهما أن هذا المسؤول الأوروبي، سواء تحدّث باسمه أو باسم المنظمة الإقليمية التي يمثلها، لا يدرك أن بناء علاقات وديّة متكافئة بين الدول لا تقوم على التعليمات والاصطفافات والمحاور، ومثلما تمارس الدول الأوروبية فرادى وجماعات سياستها الخارجية وفق مصالحها الخاصة فان تونس وغيرها من دول العالم لها الحق في السير على نفس النهج والتمتع بما تمنحه إياها الأعراف والمواثيق والقوانين الدولية.
وقبل بيان الإخلالات والمساوئ المبدئية والأخلاقية والدبلوماسية في ما أتاه المسؤول الأوروبي، وجب التنويه بردّ فعل سفارة تونس ببروكسيل الذي جاء متناسقا في الزمن والشكل والمضمون، فهذا هو المطلوب من ممثلي بلادنا في الخارج وقد دافعنا كثيرا في السابق عن أهمية المبادرة والجرأة في الدفاع عن مصالحنا ليس أسوة فقط بسفراء هذه الدول الأجنبية على أرضنا الذين يتجاوز بعضهم حدوده في بعض الحالات ولكن تمسكا بالدور الطبيعي للدبلوماسية التي هي في نهاية المطاف تنفيذ للسياسة الخارجية للدولة المستقلة ذات السيادة. ورغم أن سفارتنا لم تكن في حاجة في بيانها للحديث عن أن الحكومة في تونس تمثل تطلعات الشعب بصفة شرعية وتعبر عن إرادته السيادية لأن هذا الأمر الواقع تقر به جميع دول الاتحاد الأوروبي، وفي المقابل كان مهمّا أيضا بيان أن علاقات تونس مع كافة شركائها تقوم على الاستقلالية وهي تسعى إلى تكييف هذه العلاقات مع التحديات والمتغيرات الحالية.
وبالعودة إلى موقف المسؤول الأوروبي وكلامه المجانب للصواب في عمومه، فإننا نقرّ بدورنا أن تونس شريك مهمّ للاتحاد الأوروبي منذ فترة طويلة، ونحن كذلك معنيّون وحريصون في ضوء التطورات الداخلية والخارجية الأخيرة، بإجراء تقييم جماعي وموضوعي لهذه الشراكة التي أصبحت بشكلها الحالي غير متوازنة وهي تخدم مصالح أوروبا أكثر ممّا تحقّقه للتونسيين.
ويكفي التوقف اليوم عند ملف الهجرة غير النظامية على سبيل المثال للتأكد من أن تونس تخضع لابتزاز غير مسبوق من أجل ان تتحول الى شرطي في حوض المتوسط يحمي الشواطئ الاوروبية ويتحمّل عبء آلاف المهاجرين غير النظاميين الوافدين بطرق مشبوهة من دول لا حدود مباشرة لها مع بلادنا.. وليس من حقّ بوريل أو أي مسؤول آخر في أوروبا أو في أي دولة نافذة في العالم أن «يقيّم» علاقاتنا بالدول الصديقة عموما و«التقارب» الحاصل خصوصا مع الصين وروسيا وإيران.
إننا نتفهّم غريزة الهيمنة لدى أصدقائنا الأوروبيين وندرك جيدا ان زيارة رئيس الجمهورية قيس سعيد إلى جمهورية إيران الإسلامية خلال الفترة الماضية أقلقتهم رغم أن سببها كان إنسانيا وهو تقديم واجب العزاء بعد وفاة الرئيس الايراني.
كذلك الأمر مع الزيارة الهامة إلى جمهورية الصين الشعبية وإبرام اتفاق شراكة إستراتيجية بعيد كل البعد عن اتفاقية مماثلة أبرمتها مع الإدارة الأمريكية في العشرية الماضية وأخرى مع الاتحاد الأوروبي منذ تسعينات القرن الماضي وهو ما يفرض على بوريل وغيره الحديث عن تقييم هذه الشراكات التي تسرّب إليها الصدأ ولم تعد صالحة في الوقت الحاضر لتحقيق المصلحة المشتركة.
أضف إلى ما تقدم، التقارب الايجابي بين تونس وروسيا والذي أثمر اتفاقه على تعزيز التعاون في مجالات الطاقة والصحة والثقافة والتعليم والسياحة والتكنولوجيا الحديثة وغيرها من المجالات.. ولا يمكن في تقديرنا تفسير الموقف الأوروبي المتشدّد برفض التقارب التونسي مع الصين وإيران وروسيا وحتى مع عمقنا الأفريقي والمغاربي والعربي بالأسباب الاقتصادية فقط، والرغبة في التأثير في الخيارات الداخلية للشعب التونسي بما يضمن مصالح الأوروبيين في مشهد دولي يعرف إرهاصات وبشائر ولادة نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب، ولكن أيضا نتيجة المواقف التونسية بشأن بعض القضايا الإقليمية والدولية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية فالموقف التونسي من الحق الفلسطيني يزعج أوروبا والغرب بشكل عام.
ولا ننسى فوق كل هذا أن المواقف الأوروبية المتطرفة والمتشدّدة لا يمكن إخراجها عن السياق الانتخابي الذي تشهده الدول الأوروبية سواء داخل كل دولة أو داخل الفضاء الأوروبي وخاصة البرلمان الأوروبي وصعود مجموعات اليمين المتطرف هنا وهناك، ولليمين المتطرف حكاية ليس معنا فحسب ولكن مع بقية الشعوب والأمم، والغريب أنّ اليمينيين المتطرفين بقدر تمسكهم بمصلحتهم القومية والعرقية إلى أبعد الحدود بقدر استخفافهم بحق البقية في تقرير مصيرهم وفق نفس الأهداف تماما كما كان الحال زمن الفاشية والنازية في النصف الأول من القرن الماضي.
في تفاعل بعض الوزراء مع نواب المجلسين : شيء من الواقعية وشيء من المبالغة أيضا..!
تتواصل تحت قبة البرلمان هذه الأيام الجلسات العامة المشتركة بين مجلس نواب الشعب والمجلس الو…