وسط منظومة صحية متدهورة : هل يكون قانون المسؤولية الطبية بداية لتصحيح الأوضاع ..؟
تطمح التنسيقية الوطنية لإطارات وأعوان الصحة ومنظوريها من طواقم الصحة العمومية أن تكون المصادقة على القانون عدد30 لسنة 2023 المتعلق بحقوق المنتفعين بالخدمات الصحية والمسؤولية الطبية المصادق عليه من قبل البرلمان يوم 5 جوان 2024بعد تجاذبات دامت 6 سنوات، بداية المسار لتحسين واقع القطاع وخاصة في ما يتعلق بضمان جودة الخدمات الصحية المسداة للمواطن وضمان حقه في التعويض عن الأخطاء العلاجية التي يتعرض لها بالمستشفيات والمصحات الخاصة.
وقد اعتبرت التنسيقية الوطنية لإطارات وأعوان الصحة خلال ندوة صحفية عقدتها اول امس ان هذا القانون سوف يلزم المؤسسات الصحية العمومية والخاصة بتقديم خدمات ذات جودة ويمكّن المتضرر من الأخطاء الطبية والعلاجية من الحصول على التعويضات بمجرد معاينة الضرر دون انتظار إجراء التحريات ذلك انه يتضمن آليات للوقاية من المخاطر ويضبط نظام التعويض للمتضررين وواجبات المنتفعين والتمتع بالحقوق دون أي تمييز ومسار الانتفاع كما يشدد القانون العقوبات المسلطة على متلفي التجهيزات الصحية والمعتدين عليها حسب ما أوضحه الأمين العام للتنسيقية شكري المبروكي.
وتأتي المصادقة على هذا القانون وسط أوضاع متردية ونقائص عديدة يعاني منها القطاع الصحي منذ سنوات حيث أكد المبروكي أن هذا القانون تريده التنسيقية أن يكون بداية «ثورة تشريعية من أجل خارطة صحية جديدة »، واصفا الوضع في قطاع الصحة العمومية بأنه «متدهور» ويدفع الى «هجرة الكفاءات » وهو نتاج مبادرة تشريعية تقدمت بها التنسيقية وستتلوه مبادرتان تشريعيتان من قبل التنسيقية هما مقترح قانون أساسي خاص بمهن الصحة ومقترح قانون يتعلق بنظام حوكمة المؤسسات الصحية ليشكل القانون ومشروعا القانون بعد المصادقة قانونا شاملا للصحة العامة.
ويتضمن مشروع القانون، المقترح من مجموعة من النواب، 6 أبواب و50 فصلا، وهو يضبط حقوق المرضى المنتفعين من الهياكل والمؤسسات الصحية، وآليات الجودة والسلامة والوقاية من المخاطر والأضرار المرتبطة بالخدمات الصحية ونظام المسؤولية الطبية لمهنيي الصحة والهياكل والمؤسسات الصحية، حسب ما ورد في فصله الأول. وكان البرلمان قد صوّت على المشروع بعد 6 سنوات منذ احالته أول مرة من وزارة الصحة في سنة 2017 على أنظار المجلس وتم الاستماع حينها لممثلي الوزارة في حكومات سابقة ، لكنه ظل في أروقة مجلس النواب ، الى أن تولت لجنة الصحة وشؤون المرأة والأسرة والشؤون الاجتماعية وذوي الإعاقة تقديمه في الصيغة الحالية.
ومن ابرز الملفات التي تشتغل عليها حاليا التنسيقية الوطنية التونسية لإطارات واعوان الصحة،ملفات الفساد داخل قطاع الصحة والمشاريع المعطلة التي رصدت لها اعتمادات ومن أهمّها مستشفى الملك سلمان عبد العزيز بالقيروان الى جانب العمل على النهوض بالقطاع ككلّ والعمل على «افتكاك حقوق العاملين في القطاع الصحي بالفكر والساعد وحقوق العاطلين عن العمل من ذوي الاختصاصات الصحية اضافة الى الوقوف على المشاكل التي تواجه المتقاعدين الذين وقع نسيانهم ولهم عدّة حقوق مهضومة» اضافة الى الاهتمام بوضعية المؤسسات الصحية وإنقاذ ما يمكن إنقاذه بعد التدهور الحاصل في القطاع والسعي الى تطوير كافة الوسائل المتاحة لتقديم أفضل الخدمات للمواطن التونسي.
واثبتت نتائج دراسة حديثة بعنوان « التقشف، المرض المزمن للصحة العمومية» أعدتها منظمة « بوصلة » خلال عام 2022 نقص استثمار الدولة التونسية في مجال الرعاية الصحية ومعاناة قطاع الصحة العمومية من مشاكل هيكلية خطيرة خلال العشرية الأخيرة حيث بينت النتائج أن الإنفاق على الصحة العامة في تونس في سنوات ما بعد الثورة لم يواكب النموالسكاني وهوما يتجلى بوضوح من خلال تراجع نصيب الفرد من الإنفاق من 170 دولار سنة 2013 إلى 144,3 دولار سنة 2018.
وأشارت الدراسة إلى تسجيل تراجع في ميزانية وزارة الصحة خلال سنة 2022 بنسبة 16 بالمائة مقارنة بسنة 2021، في الوقت الذي تعاني فيه تونس من تفاقم التحديات الصحية وتفشي عدة أمراض معدية تتطلب مواجهتها إمكانيات مالية هامة. ويبلغ الاستثمار في قطاع الصحة العامة الحد الأدنى مما جعل الإطارات الطبية وشبه الطبية بمؤسسات الصحة العمومية غير قادرة على توفير العلاج اللازم في الوقت المناسب بسبب نقص في المعدات والأدوية وتدهور البنية التحتية وعدم تكافؤ توزيع الخدمات الطبية العامة بين مختلف المناطق.
ويبقى الوصول إلى القطاع الصحي الخاص وفق ذات الدراسة رهين توفر الإمكانيات المالية والامتيازات الجهوية، حيث تتمركز 90 بالمائة من العيادات الصحية الخاصة في المناطق الساحلية، وهوما يحول دون الوصول إليها من قبل العديد من المواطنين القاطنين في المناطق الداخلية. ولفتت الدراسة الى أن سياسة التقشف التي اعتمدتها تونس في العشرية السابقة تسببت في اضعاف هياكل الصحة العمومية وتعميق الفوارق الجهوية بين مختلف مناطق البلاد، حيث يمكن رصد انخفاض عدد المستشفيات الإقليمية العامة من 33 إلى 31، بينما لم يتم تشييد سوى مستشفى جهوي وحيد و58 مركزا صحيا أساسيا.
وبالرغم من أن طاقة الاستيعاب بالمستشفيات قد شهدت ارتفاعا بنسبة 6 بالمائة بين عامي 2017 و2019، إلا ان معظم هذا النمو سجل في القطاع الخاص بنسبة 17 بالمائة، مقابل 3 بالمائة في القطاع العام.
وطالبت بضرورة تكثيف الاستثمار في مجال الصحة في المناطق الداخلية من خلال بناء المستشفيات والمصحات وحوكمة التصرف في الأدوية لتفادي حالات الفساد والافراط في الاستهلاك، فضلا عن معالجة مشاكل سوء الادارة والفساد من خلال اضفاء الشفافية على الشراءات وتوزيع الموارد ورقمنة هذه العمليات.
ترسانة من القوانين والتشريعات : هل اكتملت حقوق الطفل ..؟
تكاد العديد من الدراسات الرسمية وغير الرسمية الكمية منها والنوعية في تونس كما في غيرها من…