لعلّنا لا نجانب الصواب إذا قلنا إن الجيش التونسي استثناء بكل المقاييس فهو «جيش مدني» إذا جازت العبارة نأى بنفسه عن حسابات السياسة على امتداد تاريخه وانحاز لدوره المركزي وهو ان يكون درعا واقيا للوطن وليس هذا فقط ،فقد كان دوما فاعلا في المسار التنموي. وهذا ما جعله محل الثقة من قبل التونسيين على اختلاف مشاربهم فليس هناك مؤسسة في بلادنا تقريبا تحظى بالثقة التي تحظى بها المؤسسة العسكرية.

فهو مفخرة حقيقية لبلادنا وعنوان دال على التضحية في جميع صورها زمن الحرب والسلم وزمن الاستقرار  تماما مثل زمن الأزمات والتوترات فعلى امتداد 68 عاما حافظ جيشنا على عقيدته ومنهجه ولم يحد عنه قيد أنملة.

فعندما كانت تونس تتهيأ لمعركة البناء والتحرر النهائي من ربقة الاستعمار ساهم جيشنا الفتيّ وقتها في حرب بنزرت وقدم شهداء في معركة الذود عن حياض الوطن. وعندما انخرطت تونس في مسارها التحديثي ساهم جيشنا في التنمية عبر البناء والتشييد.

وعندما حدثت توترات في أواخر الثمانينات وبداية التسعينات في بلد شقيق مجاور عرف سنوات دامية انبرى جيشنا مع قوات الحرس الوطني لحماية الحدود بأقصى درجات اليقظة  وضمان أمن تونس واستقرارها وقد نجح وبدرجة الامتياز في هذه المهمة الصعبة.

أما إبان أحداث 14 جانفي 2011 وما سبقها وما تلاها فقد أظهرت قواتنا المسلحة تعففا أسطوريا  عندما كانت السلطة «حرفيا» ملقاة على قارعة الطريق وكان الحكم متاحا لكن العقيدة التي تأسست عليها المؤسسة العسكرية وما تختزله من قيم ومبادئ  ظلت صامدة وقوية  ولم يحد عنها رغم المغريات القوية في تلك اللحظة التاريخية المفصلية. ورغم الرهانات التي قدمها بعض الملاحظين من العالم العربي أو الغربي الذين اعتقدوا ان قواتنا المسلحة يمكن ان «تنقض» على السلطة وهو ما لم يحدث وكذبت نبوءاتهم وتوقعاتهم ونجحت المؤسسة العسكرية في امتحان صعب وعسير وأوصلت تونس الى بر الأمان وجنّبتها ربما حربا أهلية أو مسارا دمويا كما حدث في بعض البلدان الشقيقة.

والحقيقة ان الثمن كان باهظا فقد دفعت قواتنا المسلحة العسكرية وكذلك الأمنية فاتورة الدم وسقط شهداء من أبنائها سواء وهي ترابط على الحدود أو وهي تحمي الممتلكات العامة والخاصة.

ولعل المعركة ضد الإرهاب كانت الأشرس التي خاضتها قواتنا المسلحة الباسلة وتمكنت من تقليم اظافر طيور الظلام.

ولا ننسى قطعا ان جيشنا الوطني ساهم وباقتدار في إحلال السلام في اكثر من منطقة من العالم خاصة في قارتنا السمراء وأبلى البلاء الحسن وترك اثرا طيبا مع بعثة الأمم المتحدة.

وربما لكل هذا نحتفل بالذكرى  68 لانبعاث الجيش الوطني بكثير من الفخر والاعتزاز تقديرا واعترافا  «بالعطاء غير المحدود والبذل الذي كلما زاد التحدي يتضاعف ويزداد»  كما جاء في كلمة رئيس الجمهورية قيس سعيد في إحياء هذه الذكرى المهمة  والتي تقدم خلالها بأحر عبارات التهاني لكل إطارات وزارة الدفاع وأعوانها والعاملين بها .

وفي كلمته أمام تشكيلات الجيش الوطني بمناسبة إحياء الذكرى 68 لانبعاثه قال رئيس الجمهورية والقائد الأعلى للقوات المسلحة قيس سعيد  أنه عندما يقتضي الواجب المقدس المواجهة والقتال يردد أبناء المؤسسة العسكرية كلهم مؤمنين ثابتين   على قلب رجل واحد: «نحن أبناء هذا الوطن للوغى ولساحاته خلقنا . ومستعدون تحت أي ظرف للنزال. ودون النصر والعزة والكرامة الاستشهاد. ولن نقبل بغير ذلك بديلا».

وكانت هذه مناسبة ليترحم رئيس الجمهورية على شهداء المؤسسة العسكرية الذي قضوا فداء للوطن. ولتمني الشفاء أيضا للجرحى من العسكريين. والأكيد أن مؤسسة فداء التي شرعت في عملها كفيلة بـ«تضميد» جراح أبناء الجيش الوطني وذويهم  رمزيا ومعنويا وكذلك ماديا وهي التي أذن الرئيس قيس سعيد ببعثها.

كما مثّلت هذه الذكرى فرصة سانحة ليتوقف رئيس الجمهورية عند الأدوار المهمة التي لعبتها قواتنا المسلحة في مجابهة الإرهاب الذي شكل أبرز التهديدات وأخطرها على تونس بعيد أحداث 14 جانفي 2011.

إذن يمكن القول إن هذه الكلمات تختزل كل معاني البذل والتضحية التي تأسست عليها عقيدة الجيش التونسي الذي يحيي التونسيون  ذكرى انبعاثه بكل اعتزاز وهم يعتبرون هذه المؤسسة مفخرة حقيقية لهم ومحل ثقة  لا يرقى اليها شك قيد أنملة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

العائدون من سوريا.. مـــاذا سنعدّ لهم..؟

سقط نظام بشار الأسد في سوريا  وثبت أن بيته أوهن من بيت العنكبوت وان جيشه فقد العقيدة والثب…