رئيس الجمعية الدولية للمسلمين القرآنيين الدكتور«توفيق بن عامر» في حديث لــ الصحافة اليوم: التصوّف هو روح كلّ دين وهو إطار لحلّ مشاكلنا العقائدية وحتّى السياسية
كان موضوع أطروحة الدكتوراه للأستاذ«توفيق بن عامر» سنة 1986 حول «الرقّ في الحضارة العربيّة الإسلاميّة».ثمّ اتجهت اهتماماته بعد ذلك إلى مجال الدراسات الصوفيّة، حيث نشر كتاب «دراسات في الزهد والتصوّف» وكتاب «التصوّف الإسلامي إلى القرن السادس الهجري». و«التجربة الدينية بين الوحدة والتنوع» وخلال عمله مدّرسا بالجامعة التونسية أشرف على إنجاز عديد الرسائل الجامعيّة والأطاريح لاسيّما في ميدان التصوّف الإسلامي. بالإضافة إلى مشاركات متعدّدة بالجامعات ونشره لعديد المقالات في مجلاّت علميّة محكّمة . اعتنى كذلك بمجال أصول الفقه وأصول الدين ونشر كتابا حول «أصول الدين ومنزلتها بين العلوم الشرعيّة». وبالتوازي مع عمله الأكاديمي أسّس الجمعيّة التونسيّة للدراسات الصوفيّة وأشرف على وحدة بحث حول «حوار الثقافات» بجامعة تونس.وشغل عديد الوظائف العلميّة والثقافيّة وخلف الرّاحل «محمد الطالبي» في رئاسة الجمعية الدّولية للمسلمين القرآنيين.وفي سياق اهتمامه بتجديد الفكر الديني والفكر الثقافي صدر له كتاب بعنوان:«المستقبل الثقافي بين قضايا الهويّة والتجربة الديمقراطيّة». حول هذا المؤلّف ومجمل اهتماماته كان هذا الحوار:
في رأيك أستاذ توفيق ما هي الأسباب العميقة وراء تأخر انجــــــاز ما هفا إليه المصلحون والرّواد والمجدّدون من تقدّم لعالمنا العربي ؟
مشكلتنا الأساسية في عالمنا العربي هي أنّنا لم نراهن في نهضتنا على الإنسان ربّما راهنّا على أشياء أخرى، راهنّا على مكتسبات الحداثة وثمراتها فقط بمعنى استهلكنا ولم ننتج. العالم العربي لم ينتج والسبب الأساسي لكونه لم ينتج يعود إلى أنّه لم يراهن على الإنسان ربما راهن على البنيان الشاهقة والزخرف الظاهري ولكن الذي ينتج الحضارة هو الإنسان. هذا الإنسان لم تقع المراهنة عليه. لم نراهن على العلم، لم يأخذ العرب شعبة من شعب العلم وقالوا نحن فيها طلائعيون والعالم يحتاج إلينا فيها.
والمراهنة على الإنسان من زوايا ثلاث، أن نراهن عليه علميا وهذا نحن مقصرون فيه وأن نراهن عليه اجتماعيا على أساس ضمان العدالة وهذا غير موجود وأن نراهن عليه على أساس الحرية وهذا أيضا نحن مترددون فيه . وهذه الأسس الثلاثة التي تبني الإنسان والتي نادى بها زعماء الإصلاح منذ عصر النهضة نحن نفرّط فيها. ونريد أن نتحدث عن تقدّم أي تقدّم؟ إن العالم المحيط بنا وخصوصا المتقدّم منه ينظر إلينا من زاوية ما نقدّمه للبشرية والعالم اليوم واع بأننا لا نقدّم شيئا باستثناء الثروات الطبيعية وتقارير التنمية التي تصدرها المنظمات العالمية تؤكد هذه المعطيات.
ولكن ثمّة من يعيد سبب هذا التأخر وهذه العطالة إلى أن مجتمعاتنا لم تحسم بعد في قضايا أساسية مثل علاقة الدّيــــــــــــــــن بالــــــــــدولة،حرية الضمير،المساواة التّـــــــامة، حرية التعبير،الدّيمقراطيــــــة، ومشكلة الإسلام السياسي ؟
فعلا هذا الكلام صحيح وهو يشير إلى المشكل القائم فإما أن نحيا عصرنا بمواصفاته الحديثة أو أن نبقى مترددين بين الماضي والحاضر وليس لدينا أي تصوّر للمستقبل ومن الأشياء التي تدل على أنّنا في أبجديات التطور، تصوّرنا للهوية على أنها إحياء للماضي . الهوية هي من أنت اليوم وماذا تقدّم للعالم .
ترأست خلفا للرّاحل«محمد الطالبي»الجمعيــــــة الدوليـــــــــة للمسلمين القرآنيــــــــين، وهذه التسمية أثارت وما تزال اشكاليات عديدة من أبرزها اتهامها بمعاداة السنـــــّة ومنها أيضا جنوحها للتكفير غير المباشر فيما قام به مؤسسها»الطالبي» من اتهــــــامه لعدد من المجدّدين من أمثال «أركــــــــون والشرفي»بالانسلاخ سلاميين ودعوته لهما بنزع قناعهما وعـــــــــــــرض حقيقة معتقدهما؟
التسمية تبدو صادمة للبعض وأنا أفهم هذا الأمر إذ تبدو وكأن هناك مذهبا جديدا ولكن في الحقيقة هي عودة إلى طبيعة الأمور وعودة إلى منشأ هذا الدّين وإقرار بمحورية القرآن كمصدر أساسي تقاس به بقية النصوص مهما كان مصدرها والمشكل أنّه قد تراكمت نصوص عبر التاريخ ، نصوص من الحديث والأخبار والمدونات الفقهية التي غطّت على النصّ الأصلي والتي ليست كلها متناسقة مع النصّ وفيها ما يتناقض معه أحيانا فضلا عن اجتهادات فقهية قد تجاوزها الزمن ولذلك فالتوجه يدعو إلى عرض هذه النصوص الثواني على النص الأصلي فإن وافقت قبلناها وإن عارضته تركناها فنحن لا ندّعي رفض السنة مطلقا. والقرآنيون أصناف في العالم العربي والاسلامي، فهنالك من يلغي السنّة بشكل كامل مثل الأستاذ أحمد صبحي منصور في مصر الذي يقول هذا الكلام وكذلك الشيخ أحمد خان في الهند وهناك من يرى الرؤية النقدية أي أن نعرض النصوص الثواني على محك القرآن وهذا الموقف النقدي هو موقفنا الذي نتبناه وقد قال به حتى قدماء علماء الحديث ولكنهم انشغلوا فقط بنقد الأسانيد وطبقات الرجال وقليلا ما تفحصوا المتون. ونحن نرى أن الكثير من تلك المتون مرتبط بظروفه الزمانية التي ظهر فيها ولذلك كان بعض علماء المعتزلة يرون أن ما يتعين نقله عن الرسول هو ما يتعلق بالعبادات خاصة أما المعاملات والسلوكات فهي مرتبطة بمقتضيات المصلحة في عصر الدعوة والمصلحة متغيرة في الزمان والمكان.
وأنا على المستوى الشخصي كنت ولا أزال مخالفا للراحل«محمد الطالبي» رحمه الله في حدّة الطرح لصيغة يفهم منها حصر الاسلام في القرآن وطرح السنة بالكلية في الوقت الذي كان فيه هو نفسه يستشهد بالسنة . كل ما في الأمر أننا ندعو إلى نقد المدونة الحديثية بمناهج العصر العلمية والمعيار النقدي في ذلك هو عرضها على محك النص القرآني كما ندعو إلى مراجعة المدونة الفقهية وما فيها من أجتهادات وأحكام لم تعد صالحة لمقتضيات التشريع في زماننا ويكون ذلك على أساس المحك نفسه بالعودة إلى قراءة جديدة للنص المؤسس . أما فيما يتعلق بالخلاف الذي احتد بين المرحوم الطالبي وبعض المجددين للفكر الإسلامي مثل أركون والشرفي وغيرهما والذي ظهر وكأنه صيغة من صيغ التكفير فإني لا أهتم بماصدر عن المرحوم في ذلك الخلاف من أحكام تخص المعتقد لأن ذلك يبقى في النهاية مسألة شخصية بقد ر ما أهتم بجوهر الخلاف حول المنهج النقدي الذي تبناه كل من الطرفين وإن كانت الغاية واحدة وهي العمل على تطوير الفكر الإسلامي بما يضمن نهوض العالم الإسلامي وتطوره . ورأيي الشخصي أنّ هناك أسلوبا يراه الطالبي مناسبا لتجديد الإسلام وهو تجديده من الدّاخل حتى يكون إسلاميا بينما يتوخى غيره من المجددين أسلوبا آخر لايقل أهمية وهو العمل على تجديده من الخارج أي بتسليط الأضواء النقدية عليه انطلاقا من مبادئ الحداثة . وإني وإن كنت أتفق مع الطالبي في أنّ تفكيرنا لا يكون اسلاميا إلا من داخل الإسلام فإن ذلك لا يغني عن استحضار القيم الحداثية كما أن تجديد الفكر الاسلامي من خارجه لاينبغي أن يفضي الى طمس خصوصيته بإسقاط مبادئ الحداثة عليه فلا الداخل في هذا السياق في غنى عن الخارج ولا الخارج في غنى عن الداخل والتفاعل بينهما ضروري وحتمي . مع ضرورة التأكيد على أنه ليس لنا أن نحاسب الناس على معتقداتهم والذي ينبغي أن نسلّط عليه الحكم هو منهج العمل وطريقة البحث لاغير .
ثمّة من يرى في التصوّف فتحا لأفق رحب لعله ينهي الكثير من النّزاعات و يفتح أذهاننا على روحانية ملائمة لعصرنا هل ما زلت تعتقد أن التصوّف فعلا يشكل حلاّ عقائديا ملائما لهذا العصر؟
التصوّف هو إطار للحلّ، الحل العقائدي والفكري وحتى لحلول سياسية فإلى اليوم ثمة مذاهب متنازعة ولكن مهما تعدّدت هذه المذاهب فإن التصوف يخترقها جميعا أي يمكن له أن يوحد الرؤية الاسلامية أكثر من الفقه والتشريع . فالتصوف هو إطار لتقارب مسلمين مهما كانت فرقهم.
ولكن التصوّف وظف سلبيا واستخدم سياسيا واتهم بالكفر وبالنزعة الباطنية والغنوصية وهدم الدّين ومهادنة الاستعمار والسلطة ؟
ليس ذنب التصوّف كونه هوجم بالتكفير والتكفير بدعة فقهية لا وجود لها في القرآن وهي صيغة من صيغ الشريعة والشريعة هي أداة مكوّنة من عنصرين من توظيف الدين ومن السلطة. فالشريعة أفرزها المزج بين الدين والدولة فإذا خرجت عما تراه الدولة فأنت كافر وليس من الضرورة أنك خرجت من الدين وهذه الصيغة واجهت الفلاسفة أيضا. ومما جعلني أهتم أكثر بالتصوّف أنني لاحظت أن التصوّف هو روح الاسلام وروح كلّ دين ولذلك معظم الأديان لها تصوّفها بما في ذلك الأديان غير التوحيدية لحاجة الانسان الروحية الدّائمة.
والإسلام اليوم مشطور بين طقوس على جهة وروحانية على جهة أخرى. والسبب الثاني أني أعتبر أن مبادئ الصوفية هي مبادئ الحداثة اليوم. فالصوفية يؤمنون بحرية المعتقد ويؤمنون بتآخي الأديان. و الصوفية لا يكفرون أحدا بل إنهم حتى إذا ما رأوا شخصا يقترف معصية طلبوا له الهداية، إنّهم لا يتدخلون في عقيدة الآخرين و يعتبرون علاقة الانسان مع ربه مقدسة وهم يعترفون بالمختلف والإنسان عندهم مكرم مهما كانت عقيدته أليست هذه قيم الحداثة والإسلام معا ؟.والمتصوّفة مسالمون ويعترفون بالإنسانية جمعاء. إنهم دعاة سلام أي مسالمون ولكنهم ليسوا مستسلمين لأنهم يعتبرون أن الحق هو الصيغة التي تمثل الإله ولذلك يسمون الله بالحق ونفهم من ذلك لماذا كان أكبر المجاهدين من الصوفية مثل الأمير عبد القادر و عمر المختار السنوسي وغيرهم.
من عروض المسرح التونسي في المهرجانات الصيفية: “رقصة سماء” للطاهر عيسى بالعربي: عندما يخترق الحب الأزمنة والحدود
من بين الأعمال المسرحية التونسية الجديدة التي قدّمت على أركاح المهرجانات الصيفية ومنها مهر…