التغيير الدراماتيكي للمشهد السياسي الفرنسي : أي آثار محتملة على تونس؟
يبدو أن هناك مياه كثيرة جرت تحت الجسر في عاصمة الأنوار وأن الرياح تتجه وجهة لا تلائم سفن زعيم حزب النهضة ايمانويل ماكرون. فالأحداث المتسارعة في باريس والتي تناقلتها وكالات الأنباء في الآونة الأخيرة تقول الكثير الكثير عن التحولات العميقة التي تشهدها فرنسا ذات النظام السياسي الموسوم بالاستقرار أو الديمقراطية العريقة التي تواجه اعاصير خطيرة منذ وصول ماكرون الى الحكم مع الهزات الاجتماعية والتي اتخذت أبعادا أعمق في الأيام الأخيرة.
لكن هذه التحولات لا تشمل باريس فقط بل تهم العالم بأسره فيبدو أن القديم «يستأذن ليغادر» كما قول بعض علماء الاجتماع السياسي بينما لم يتشكل عالم جديد على انقاضه وهذا ما يخلق هذه التوترات السياسية والاجتماعية الكبيرة في كل مناطق العالم.
ولأننا جزء لا يتجزأ من هذا العالم فمن الطبيعي ان نهتم بشكل او بآخر بما يحدث وهو قطعا يعنينا بشكل واضح .
واذا كان هذا حالنا مع العالم فمابالك بعلاقتنا بفرنسا بكل ما تحمله من تفاصيل بعضها اقتصادي ويعضها ثقافي وبعضها تاريخي ولكنها الشريك الأهم تقريبا في القارة الأوروبية لكل هذه العوامل وبالتأكيد بعد زلزال الأحد الماضي في عاصمة الأنوار من المهم ان ننظر الى ما يجري بالعمق والجدية اللازمين.
والأكيد ان حدث فوز اليمين المتطرف يوم الأحد الماضي في انتخابات البرلمان الأوروبي في فرنسا بقيادة جوردان بارديلا البالغ من العمر 28 عاما وحصوله على نسبة تتراوح ما بين 31 و32 بالمائة من الأصوات هو زلزال بكل ما تعنيه الكلمة من معان وهو ما قاد الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الى حل الجمعية الوطنية ( البرلمان الفرنسي ) ودعا الى تنظيم انتخابات تشريعية مبكرة في غضون 30 جوان الجاري. بالنسبة الى الدورة الأولى و7 جويلية بالنسبة الى الدورة الثانية.
ولم تخف زعيمة اليمين ماري لوبان سعادتها معلنة استعداد حزبها لتولي السلطة في فرنسا قائلة: «نحن مستعدون لتولي السلطة ومستعدون لإنهاء هذه الهجرة الجماعية ولجعل القوة الشرائية أولوية, ونحن مستعدون لإحياء فرنسا».
وبالتأكيد ما قالته لوبان هو بمثابة اعلان صريح عن برنامج حزبها وما يهمنا قطعا هو موضوع الهجرة التي تتعهد بإنهائها.
وهي بهذا تحيلنا على الوعود الانتخابية التي قدمتها جورجيا ميلوني في إيطاليا وألزمت بها عند صعودها الى السلطة وهي التي تتقاطع معها في نفس الأيديولوجيا اليمينية.
إذن ما يمكن ان نستشفه من اتجاه بوصلة أوروبا نحن اليمين المتطرف هو ان المجتمع الأوروبي أصبح يميل الى التيارات المحافظة مهما كانت الأصول الدينية والعرقية التي ينحدر منها فهناك نزعة الى تفكير تقليدي يفضل نمط عيش مستقر ويتحد ضد عدو مشترك هو الآن الهجرة من بلدان الجنوب الى الضفة الشمالية وهو أيضا يتحرك بشكل هوياتي ضد الهيمنة الامريكية على القرار الأوروبي وهذا ما يفسر التصويت المكثف لليمين المتطرف.
والواضح اليوم اننا مقدمون على صيف ساخن سياسيا فكل المؤشرات توحي بأن التغييرات الكبرى قادمة. باعتبار ان تونس معنية جدا بشكل مباشر بما يحدث في أوروبا لعوامل واعتبارات كثيرة وبالتحديد فرنسا فمن المهم ان نحاول التعاطي مع المعطيات الجديدة وفهمها بالعمق اللازم حتى يتسنى التفاعل معها.
وإذا كانت الهجرة هي الأولوية القصوى راهنا فإن تونس مدعوة الى ان تحصّن موقفها بالحجج الداعمة وان توظف هذه التحولات التي تبدو دراماتيكية سياسيا لفائدتها من اجل التفاوض بمنطق الند للند في قضية الهجرة.
ورغم اننا حتى اليوم لا نعلم الكثير عن مذكرة التفاهم التي تم توقيعها مع الجانب الإيطالي إلا أننا نحتاج الى الاستفادة منها في التعامل مع أي احتمال ممكن لوصول اليمين الفرنسي للسلطة قريبا.
وإذا كانت جورجيا ميلوني رئيسة الوزراء في إيطاليا قد حرصت على مد جسور «الود» معنا وبدت بمظهر «صديقة» تونس فنحن قطعا لا نضمن ان تكون ماري لوبان على نفس الشاكلة. وبالتالي نحن نحتاج الى وضع كل الفرضيات الممكنة للتعامل مع التحول العميق الذي تشهده فرنسا بالتحديد والقارة العجوز عموما.
النداء الأخير : أيها التونسيون ..إلى صناديق الاقتراع..!
يتوجّه التونسيون كما كان منتظرا اليوم الى مراكز الاقتراع ليختاروا من سيدير شؤون البلاد لم…