التعليم في تونس على هامش الامتحانات الوطنية : أي انتظارات وأي مآلات؟
إيقاع الأسر التونسية هذه الأيام متغير بين الصخب والهدوء ، بين الترقب والأمل فجلّها تعيش على وقع امتحانات آخر السنة وتحديدا الامتحانات الوطنية في مقدمتها «الباكالوريا» وتليها «النوفيام» و«السيزيام».
والحقيقة ان الشعب التونسي ورغم كل التحولات التي عصفت به ظل التعليم يحتل مكانة مركزية في حياته ولعلنا من بين الشعوب القليلة في المنطقة التي تراهن في المقام الأول على تعليم أبنائها وهذا منذ مرحلة تأسيس الدولة الوطنية. فقد كان التحدي الذي رفعه الآباء المؤسسون هو درء التخلف والجهل وتكوين نخب مستنيرة تقود الدولة والمجتمع.
والملاحظ ان كل ضيوف تونس من مثقفين وفنانين واعلاميين غالبا ما يشيرون الى هذه النقطة الارتكازية حتى ان الصحفي المصري المرموق محمود سعد أفرد حيزا مهما في زيارته الى بلادنا لهذا الامر مشيرا الى طبيعة الشخصية التونسية الودودة الرقيقة في تعاملها مع الضيوف وهي تشبه طقس وطبيعة البلد وفق عبارته وكان تفسيره لذلك بأنه يعود الى انتشار التعليم.
وبغض الطرف عن مدى المجاملة في هذا الكلام فإن للتعليم في تونس اسهاما كبيرا في بلورة الشخصية التونسية وهو أمر استفاض فيه الباحثون في مجال الاجتماع والتاريخ لمن أراد الرجوع الى هذه المعطيات بإسهاب.
لكن ما يعنينا هنا هو مكانة التعليم اليوم وماذا ننتظر من المنظومة التربوية؟ واي رهانات مطروحة عليها؟ والى متى يتواصل تأجيل الإصلاح لمواكبة التحولات المهمة في مجال التربية والتعليم ؟ ولماذا لم يتم التسريع في انشاء المجلس الأعلى للتربية الذي اقرّه رئيس الجمهورية قيس سعيد بنفسه؟ وماذا عن الاستشارة المخصصة لهذا القطاع؟
هي أسئلة كثيرة وهذا أوان طرحها والبحث عن الإجابات الممكنة عنها. فليس افضل من زمن الامتحانات وانتظار النتائج بما تعنيه من حصاد سنة مرت لتقييم هذه المنظومة التربوية. لاسيما واننا جميعا وبطرائق مختلفة كل وفق وجهة نظره تشخيصا للعلل الموجودة في المنظومة التربوية التونسية التي والحقيقة تقال فُقد توهجها وترهلت مع مرور السنين تماما كما تآكلت جدران وبنايات المؤسسات التربوية القديمة التي مرت عليها عقود. وكما كانت صيانتنا للمدارس والمعاهد محدودة كذلك كان تعاملنا مع المقررات والبرامج ومع التحولات العميقة في المجال التربوي. وما نزال بكل أسف نستمد من النظام التربوي في فرنسا مناهجنا واساليبنا ونستشهد به في كل مرة رغم انه من افشل النماذج اليوم عالميا وانه ترك مكانته لمنظومات أخرى في بلدان من القارة العجوز بالتحديد وخاصة الدول الاسكندنافية.
وبالمناسبة وبعض مدارسنا تستعد للرقمنة وتراهن عليها هناك دول في شمال أوروبا عادت الى الورقة والقلم وطلق تلاميذها الحواسيب. وهذه مقاربات يمكن ان نستفيد منها عن طريق الاطلاع على تجاربها والاستلهام من بعضها على الأقل عن طريق ارسال الخبراء والمختصين في المجال التربوي لتطوير هذا القطاع الحيوي.
والأكيد ان ملف التعليم من الملفات الشائكة جدا في بلادنا إذ تتقاطع فيه مسائل عدة وتتوزع فيه المسؤوليات. فإذا كان ضعف الموارد المالية لوزارة التربية قد أثّر بشكل مباشر على صيانة المؤسسات التربوية وتعهدها على سبيل المثال وهذا مردّه ضعف الميزانية نتيجة الظروف المالية الصعبة التي تمر بها بلادنا حاليا فإنه علينا الإقرار أيضا بأن قطاع التعليم قد سقط سهوا من حسابات الفاعلين السياسيين على امتداد ما يزيد عن العقدين سواء تعلق الأمر بالمرحلة التي سبقت أحداث 14 جانفي 2011 او المرحلة التي تلتها إذ تراجعت مكانة القطاع التربوي وهذا يعود إلى أصحاب القرار. ونأمل ان يكون قرار رئيس الجمهورية قيس سعيد بإنشاء مجلس أعلى للتربية وتنظيم استشارة وطنية في هذا الصدد إيذانا بمرحلة جديدة يعود فيها التوهج الى المدرسة.
كما ان الخبراء والاطارات العليا في وزارة التربية مدعوون الى إعداد استراتيجيات دقيقة وجادة مع الاستئناس بآراء الأساتذة والمعلمين والاستلهام من التجارب المقارنة من اجل تطوير البرامج والمقررات المدرسية بما يتلاءم وحاجيات تلميذ اليوم المعرفية والنفسية والتربوية.
كما ان مباشرة اصلاح عميق للمنظومة التربوية لم يعد يقبل التأجيل او التعامل الجزئي مع هذا الملف او ذاك فالوضع لم يعد يحتمل ولابد من انقاذ المؤسسة التربوية التونسية التي تعرف تراجعا رهيبا وقد تقدمت علينا عديد الشعوب في هذا الخصوص والتي كانت تقتدي بنا.
ونحن في بداية عهدة رئاسية جديدة : تدشين مرحلة البناء وضماناتها..
الآن وقد منح الشعب التونسي تفويضا غير مسبوق للرئيس قيس سعيد لعهدة رئاسية أخرى فإن تونس قط…