احتضنت العاصمة الكورية سيول أشغال القمة الأولى الكورية ـ الإفريقية يومي 4 و5 جوان الجاري التي انتظمت تحت شعار «المستقبل الذي نصنعه معا: النمو المشترك والاستدامة» وترأّس رئيس الحكومة أحمد الحشاني الوفد التونسي المشارك في هذه القمة، وبحضور عدد من الرؤساء والزعماء الأفارقة، حيث نتفق جميعا اليوم حول أهمية هذه المشاركة التونسية  بهدف دعم التعاون الثنائي ومتعدد الأطراف والاستفادة من اللقاءات التي من شأنها أن تفتح أبوابا جديدة للنقاش حول شراكات نوعية في المستقبل.

ومثّلت هذه القمة الكورية ـ الإفريقية المنعقدة على مدى يومين بالعاصمة الكورية سيول مناسبة هامة لبلادنا لطرح رؤيتها سواء في علاقة بواقع وآفاق الشراكات الممكنة أو التحديات المطروحة أمام القارة الإفريقية وفق التغيّرات العالمية تماشيا بطبيعة الحال مع البرنامج المخصص والمدرج ضمن هذه القمة.

وتتعزز أهمية المشاركة التونسية في هذه القمة من اللقاءات النوعية التي تتيحها مثل هذه المناسبات من أجل البحث عن شركاء جدد وفق الرؤية التونسية المستقبلية للاستثمار والتنمية والتي تبنى أساسا على المصلحة المشتركة والمتبادلة.

إن عقد هذه القمة في سيول يعبر عن رغبة كوريا الجنوبية في تعزيز علاقاتها مع دول القارة الإفريقية وخاصة تونس فهي بوابة إفريقيا لموقعها الجغرافي الاستراتيجي ومواقفها الثابتة والعادلة من كبرى القضايا الدولية والإنسانية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية.

وتستمد المشاركة التونسية دائما أهميتها من رؤيتها «الاستباقية» المواكبة لمجمل التغيّرات في العالم حيث نذكّر في هذا الإطار بكلمة رئيس الحكومة في أشغال هذه القمة الأولى  الكورية ـ الافريقية خلال جلسة في منتدى الأعمال تحت عنوان «التغيرات المناخية، والطاقات دون كربون». والتي لخّص فيها رئيس الحكومة أحمد الحشاني مميزات الدولة التونسية في علاقة بمناخ الاستثمار مما يجعلها وجهة للاستثمارات الأجنبية في مجال الطاقات النظيفة والاقتصاد الأخضر مذكرا بمصادقة بلادنا وبصفة استباقية على كل الاتفاقيات الثنائية ومتعددة الأطراف المتعلقة بالبيئة والمناخ، كما بلورت استراتيجيتها التنموية «منخفضة الكربون» في أفق 2050، مرتكزة في ذلك على الاستراتيجية الوطنية للتحول الطاقي والتي تهدف بالأساس إلى تقليص العجز الطاقي لتونس عبر إنتاج الطاقات المتجددة لتبلغ ٪35 في أفق 2030.

وكما هو معلوم فإنّ بلادنا دأبت على المشاركة في القمم والمؤتمرات والمنتديات الإقليمية والدولية  الكبرى وسبق لها أن قامت بتنظيم العديد من التظاهرات الهامة على سبيل الذكر لا الحصر القمة الثامنة لندوة طوكيو الدولية حول التنمية في إفريقيا التي انعقدت  في أوت 2022  بتونس «TICAD 8» واستضافتها للقمة الثامنة عشرة للفرنكوفونية في نوفمبر 2022 وغيرها.. فضلا عن مشاركة بلادنا الدائمة والمتواصلة في كبرى التظاهرات والقمم العالمية وآخرها منتدى التعاون الصيني العربي ببكين.

ونتفق جميعا تقريبا على أن أهمية المشاركات في مثل هذه التظاهرات الدولية والإقليمية تترجم في مستويين الأول يهم ثقل الاتفاقيات المبرمة وثانيا في قيمة ونجاعة اللقاءات التي تعتبر بدورها النواة الأساسية ونقطة الانطلاق الأولى في طريق  بناء شراكات جديدة والتي تضبط أوّليا في إطار النقاش العام الذي يفتح بين الأطراف المشاركة من قادة دول ورؤساء حكومات ومسؤولين سامين في مختلف الدول وهو محدد هام وأساسي لطبيعة هذه الشراكات المستقبلية المحتملة.

وهو ما تم فعليا في هذه القمة حيث وقّعت كوريا الجنوبية ما يناهز 50 اتفاقية مبدئية مع الدول الأفريقية تمهد الطريق لتعاون أقوى وأكثر نجاعة  في مجالات التجارة والاقتصاد والطاقة. وتهدف هذه الاتفاقيات إلى توسيع نطاق التعاون الثنائي في مجال المفاعلات الصغيرة المتقدمة القائمة على الوحدات، والكهرباء، وموارد الطاقة المتجددة الجديدة، والمعادن الهامة ومشاريع البنية التحتية، بالإضافة إلى التجارة والاستثمار.

كما نعتقد أن أهمية هذه القمم الإقليمية والدولية فضلا عن الاتفاقيات الممضاة بالمناسبة تترجم واقعيا بمدى تفعيل هذه الاتفاقيات ومذكّرات التفاهم وتحديد آليات متابعتها لضمان حسن التنفيذ وتحقيق النفع المشترك والدفع بعلاقات الشراكة والتعاون إلى مستويات أفضل وضمان استدامتها وتطويرها باستمرار.

فضمان دول القارة الإفريقية مثلا لفوائد من مشاركتها في القمة الكورية – الإفريقية كغيرها من القمم الدولية الأخرى رهين مدى نجاعة آليات المتابعة والتنفيذ التي تكون عادة في شكل لجان أو مجموعات تنفيذ تعقد اجتماعاتها بصفة دورية وتقدم تقاريرها باستمرار إلى السلط أو الجهات المعنية للسهر على حسن التنفيذ وتذليل العقبات أو الصعوبات المحتملة التي يمكن أن تعترض مسار تنفيذ المشاريع أو البرامج المتفق حولها مسبقا.

ونعتبر أن هذه القمة الكورية الإفريقية الأولى بسيول والتي اختتمت أمس الخميس بمثابة نقطة تحول مهمة للمنطقتين في اتجاه تعزيز تعاونهما العملي بشكل كبير باعتبار أنها ستربط نقاط القوة في كوريا وإفريقيا من منطلق أن إفريقيا وكوريا شريكان متساويان، يهدفان إلى تحقيق المصلحة المشتركة وخلق مستقبل أفضل من أجل النمو المشترك والاستدامة والتضامن.

وحتى لا تظل المشاركات في القمم الإقليمية والدولية باختلاف تسمياتها وتعدّدها وأهدافها مجرد استعراض للنوايا التي تتخذ عادة شكل بيانات ختامية أو اتفاقيات تعاون وشراكة أو مذكرات تفاهم فان  تفعيل هذه الشراكات  على أرض الواقع وتحقيق أهدافها الحقيقية المنشودة يبقى رهين نجاعة آليات المتابعة وأجهزة التنفيذ التي تضبط بالضرورة خارطة طريق ومخطط عمل تفصيلي محدد في الزمن وفق منهجية ناجعة لتحقيق الأهداف المشتركة، خاصة ونحن في بيئة وعرة وعالم ديناميكي متغيّر باستمرار لا يعترف بالحدود ولا بالجغرافيا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

هجرة المهندسين التونسيين : ظاهرة خطيرة تستدعي حلولا عاجلة

لا يختلف اثنان اليوم حول ارتفاع ظاهرة هجرة المهندسين في السنوات الأخيرة وما تمثله من خطورة…