2024-06-06

في مكتبة «الصحافة اليوم» : «مقهى المعوقين» للكاتب التونسي «الأسعد بن حسين»: في فتنة المحكي اليومي وغرائبه

ممّا استقرّ عليه الرأي لدى معظم الدّارسين أن أبرز مكوّنات وشروط القصّة القصيرة النّاجحة فنّيا هو وحدة الشخصية ووحدة الحدث ووحدة الانطباع وكثيرا ما يشار إلى ما يصطلح عليه بـ»القفلة» وهي الخاتمة التي تستقرّ فيها دلالة القصّ وأحيانا أسراره. وقد استخرج الدّارسون والنقاد هذه الخصائص بدراستهم لكبار وروّاد هذا النمط الخاص من السرد من ادغار ألان بو الأمريكي أو تشيخوف الرّوسي أو يوسف ادريس المصري أو زكريا  ثامر السوري وغيرهم ممّن أبدعوا في هذا الفنّ الصعب.

وهو صعب ككلّ فنّ وتتجلى صعوبته الخاصّة لدى من مارسه في أنّه على خلاف الرّواية التي تتسع لصفحات عديدة مثلا ينبني السرد في القصّة القصيرة أساسا على الاختزال والتكثيف والقدرة على إيصال المعاني بأكثر الإشارات دقّة مع إيجاد المعادل الفنّي سواء كانت حكاية أو ملاحظة أو زاوية نظر تجعل القارئ منبهرا بقوّتها الدّلالية وذكاء من انتبه لها وصاغها. وفي مدوّنتنا الأدبية تميّز عدد من كتّابها مثل «حسونة المصباحي» و«حسن بن عثمان» و«رضا الكافي» و»عيسى الجبلي» .

قريبا من السير ذاتي والغرائبي

وقد كان «الأسعد بن حسين» الذي نقدّم مختاراته القصصية من الكتّاب التونسيين الذين أظهروا شغفا بهذا النمط من السّرد فكتب منها ونشر منذ تسعينات القرن الماضي في كتب مختلفة الجماعية منها و الخاصّة والمنشور في المجلاّت الأدبية في تونس وخارجها. وها هو يختار منها عشرين قصّة من بينها«مقهى المعوقين» التي جعلها عنوانا لهذه المختارات الصادرة على نفقته الخاصة.

ولعلّ أبرز ما يلاحظ في تجربة «الاسعد بن حسين » مع القصّ الحضور الجلّي للضمير المتكلّم في السّرد والملامح الخاصّة بالسارد التي تجعلها قريبة جدّا من ملامحه الشخصية فهو في معظم ما هو مكتوب ذلك الطالب الذي درس بالجامعة التونسية والقادم من الجنوب التونسي والكاتب/المثقّف المغرم بالفنون والآداب والعاشق للحياة والنساء والمتمرّد على كلّ أشكال الحياة النمطية والبيروقراطية سواء المهنية منها أو الاجتماعية والعائلية منها. ويمكن القول أنّ هذه الخاصّية هي التي وسمت كتابته بكثير من عناصر السرد السيرذاتي الحميم وهو اختيار يمارس فيه الكاتب (وكلّ كاتب) نوعا من الاشتباك والتورّط العاطفي والإيديولوجي مع قارئه فهو لا يتفصّى من المسرود ويبتعد عنه وإنّما يشير بقوّة في ثنايا القصّ ودقائقه ومرجعياته إلى  أنّه هو من  يضع جسده وخبرته وقصّته الشخصية مادّة حيّة للقصّ. ويتجلّى هذا الترابط والإلحاح على أن ّ المعني بالأمر هو ذلك الكاتب التونسي حقّا الذي عاش وسط العاصمة وعرف أوساطها الجامعية والثقافية وسهراتها وأسرارها اللّيلية وفي عدد من قصصه اشارات لكتاب وشخصيات حقيقية مثل الشاعر كمال بوعجيلة والمسرحي الراحل عبد الوهاب الجملي والناقد الراحل«توفيق بكار» وغيرهم.

بين الأدب والصحافة الأدبية

وإلى جانب  ميل الكتابة لديه إلى اختيار ما توسّط من القول الأدبي الذي لا هو بالعربي البليغ ولا  هو بالمبتذل ما يجعله قريبا من الصحافة الأدبية فإن «الأسعد بن حسين» شديد الاهتمام بالسرد اليومي والعناية بالتفاصيل وبالذاكرة الخاصة به وبشخصياته وكثيرا ما ينشأ لدى القارئ شعورا وكأنه في بداية قصّ روائي سيطول ثمّ يقوم بكسره عبر الوقوع على «قفلة» يخرج بها عن نسق السّرد وينهيه تماما. وتبدو القفلة في بعض القصص ناجعة ونابعة من جوهر القصّة بينما تظهر في قصص أخرى وكأنّها مجرّد تعلّة وحيلة لجأ لها فقط لإنهاء الحكي.

وإذ يميل إلى تنويع الأساليب القصصية من الواقعي والفانتازي إلى السحري فإن الغالب على تيمات القصّ لديه هي الحب والصداقة ومحنة المثقف ومشكلة السلطة و الشغف بالكتابة وموضوع الأدب ورهاناته. وعموما تتفاوت القيمة الأدبية لهذه المجموعة المختارة من قصصه وتقديرنا أنّ أنجحها وأكثرها اكتمالا هي قصص «أرمونيكا» و»معجزة أخرى للحبّ» و«وهم ليلة حبّ».

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

من عروض المسرح التونسي في المهرجانات الصيفية: “رقصة سماء” للطاهر عيسى بالعربي: عندما يخترق الحب الأزمنة والحدود

من بين الأعمال المسرحية التونسية الجديدة التي قدّمت على أركاح المهرجانات الصيفية ومنها مهر…