2024-06-06

بالتوازي مع الأولويات التشريعية وقرب العطلة البرلمانية : عودة الجدل حول القانون المحدّد لصلاحيات المجالس المنتخبة

عاد الجدل الذي انطلق مع بداية تركيز المجالس المحلية والمجلس الوطني للجهات والأقاليم، من جديد حول مهام وصلاحيات هذه المجالس بما في ذلك الغرفة الثانية للبرلمان والقانون المنظم لعلاقتها بمجلس نواب الشعب،فرغم مصادقة مجلس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات الاثنين الفارط على نتائج القرعة الدورية الأولى لتجديد تركيبة المجالس الجهوية والتداول على رئاسة المجالس المحلية والجهوية التي انتظمت عملية قرعتها في كامل تراب الجمهورية الأسبوع الفارط، إلا أنه لم يتم الحسم إلى حد الآن في القوانين المنظمة لعملها وتحديد صلاحياتها ومجال تدخلها.

وتتزامن مصادقة مجلس هيئة الانتخابات على القرعة المتعلقة بالمجالس الجهوية (كل 3 أشهر) مع اقتراب العطلة البرلمانية وهو ما يطرح عديد التساؤلات وفي مقدمتها هل تتمكن الحكومة أو أعضاء مجلس نواب الشعب من إعداد مبادرة تشريعية تضبط صلاحيات المجالس المحلية والجهوية وخاصة مشروع قانون ينظم العلاقة بين  مجلس نواب الشعب والغرفة الثانية للبرلمان أم أننا سنمر إلى العطلة البرلمانية دون الحسم في هذا الملف ؟، الأمر الذي تعتبره أغلبية مكونات المجتمع المدني ومن رجال القانون والخبراء مهم جدا ومحدد لصلاحيات هذه المجالس المنتخبة ويزيل عنها تلك الضبابية التي صاحبتها منذ انتخابها و القطع مع إمكانية التداخل والتقاطعات الممكنة ويدفع نحو تحقيق نجاعة عملها وإنجاح دورها ضمن سلسلة هياكل الدولة والمجالس المنتخبة.

فاليوم في ظل غياب هذه القوانين المحددة لعمل المجالس المحلية والغرفة الثانية للبرلمان التي لم تنطلق في العمل فعليا باستثناء لجنة صياغة النظام الداخلي، نتحدث عن تداول على المهام لأعضاء مجالس محلية ومجالس جهوية في إطار الانتخابات الدوّارة ( كل 3 أشهر ) ونحن مازلنا ننتظر القوانين المنظمة لمهامهم وصلاحياتهم، ومن شأن تواصل هذا الفراغ التشريعي  أن يعرقل عملهم ويحدّ من نجاعتهم وتمثيل جهاتهم وناخبيهم على أحسن ما يكون والاستجابة لانتظاراتهم .

وتأتي القرعة المتعلقة بالمجالس الجهوية تطبيقا لما ورد بالمرسوم عدد 10 لسنة 2023 المتعلّق بتنظيم انتخابات المجالس المحلّية وتركيبة المجالس الجهويّة ومجالس الأقاليم، حيث نص الفصل 32 منه على أن « تنظّم عمليّة قرعة لاختيار ممثّل عن المجلس المحلّي بالمجلس الجهوي الراجع له بالنظر، ويتداول على عضويّة المجلس الجهوي أعضاء المجالس المحلّية لمدّة ثلاثة أشهر باعتماد القرعة. ولا يُشارك في القرعة العضو الذي انتهت مدّة تمثيليّته».

كما نص الفصل 33 من المرسوم على ان يتمّ التداول على رئاسة المجلس الجهوي تباعا لمدّة ثلاثة أشهر بالقرعة ولا يُشارك في القرعة رئيس المجلس الذي انتهت مدّة رئاسته.

وبخصوص رئاسة المجالس المحلية فقد نص الفصل 31 من المرسوم المذكور على أن يتولّى رئاسة المجلس المحلّي، إثر الانتخابات، الفائز بأكبر عدد من الأصوات ويتمّ التداول على رئاسة المجلس تباعا لمدّة ثلاثة أشهر بالقرعة.

فرغم تنصيص دستور 25 جويلية 2022 على وظيفة المجلس الوطني للجهات والأقاليم إلا أن أغلب الخبراء يؤكدون اليوم على ضرورة وجود نص قانوني ينظم العلاقة بين الغرفتين باعتبار أن الغرفة الثانية للبرلمان لا يمكنها أن تنطلق في عملها إلا بعد إصدار قانون ينظم هذه العلاقة بينها.

ويبقى الجدل قائما إلى اليوم حول الجهة المخوّلة بإعداد القانون المنظم لعمل الغرفة الثانية للبرلمان وعلاقتها بمجلس نواب الشعب ، حيث أبرز الناطق الرسمي باسم هيئة الانتخابات محمد التليلي المنصري في عديد المناسبات أن  الصلاحيات، تبقى من مهام السلطة التشريعية، وذلك من خلال سن قانون أساسي ينظم العلاقة بين المجلسين.

أما في ما يخص صلاحيات المجالس المحلية ومجالس الأقاليم والجهات فان الأمر يبدو مختلفا نسبيا حيث أكد المنصري أيضا في تصريحات سابقة  أنّه لا يوجد فراغ تشريعي نظرا لوجود القانون عدد 87 المؤرخ في 26 جويلية 1994 المتعلق بإحداث مجالس محلية للتنمية، وكذلك القانون الأساسي عدد 29 المؤرخ في 9 ماي 2018 المتعلق بمجلة الجماعات المحلية، مؤكدا أنّهما مازالا نافذين إلى حدّ الآن ولم يقع إلغاؤهما او تعديلهما. ويمكن اعتمادها في ما لا يتعارض مع القانون الانتخابي والمراسيم.

لكن رغم هذه التأكيدات إلا أن الغموض والضبابية مايزالان يصاحبان عمل وصلاحيات أعضاء هذه المجالس،بتأكيد الخبراء في المجال ، وما عشنا على وقعه مؤخرا من بيانات صادرة عن بعض المجالس المحلية والمسائل والنقاط الخلافية المطروحة من جانبهم للنقاش لإيجاد حلول بشأنها إلا دليل واضح على هذه الضبابية وغياب قانون واضح يحدد بدقة الصلاحيات الموكولة لهذه المجالس.

‎وفي هذا السياق ذهب الخبراء في الشأن المحلي إلى القول  بضرورة أن تتعلق المسألة التشريعية بنصّ قانوني جديد يحدّد صلاحيات المجالس المحليّة، أو تعديل مجلة الجماعات المحليّة بإضافة أحكام خصوصية تتطرّق إلى هذه المجالس، وتنظّم العلاقة بين مختلف المجالس في ما بينها، ومع المجلس الوطني للجهات والأقاليم. إذ أن تحديد اختصاصات أي هيكل، يتم التنصيص عليه في إطار نص قانوني، ومهامه، خاصة وأن المجالس المحلية تعتبر صنفا جديدا لم يعرفه التنظيم الإداري التونسي سابقا.

‎وخلافا لرأي هيئة الانتخابات فان مكونات المجتمع المدني المختصة في الشأن الانتخابي، تؤكد في المقابل على أنّه لا يمكن تطبيق القانون عدد 87 المؤرخ في 26 جويلية 1994 المتعلق بإحداث مجالس محلية للتنمية، على المجالس المحلية المنتخبة نظرا إلى حجم الاختلافات، وانتماء كل هيكل إلى بيئة قانونية ومؤسساتية وسياسية، ويرجع هؤلاء الخبراء ذلك إلى أن قانون سنة 1994 لا يمكن تطبيقه في مجلس منتخب ، في حين كانت المجالس المحلية معيّنة ويترأسها المعتمد.

‎وفي انتظار الحسم في مسألة صلاحيات المجالس المنتخبة وإفرادها بقانون خاص يتواصل الجدل حول الجهة التي ستقدم هذه المبادرة التشريعية خاصة في ما يخص القانون الذي ينظم العلاقة بين المجلس الوطني للجهات والأقاليم ومجلس نواب الشعب وهناك تقريبا شبه إجماع على أن تعدّ السلطة التنفيذية هذه المبادرة سواء من قبل الحكومة أو رئاسة الجمهورية انطلاقا من أنه لا يمكن أن يكون البرلمان الطرف الذي يحدد علاقته بمجلس الجهات والأقاليم أو بقية المجالس الثلاثة وخاصة العلاقة بين المجالس المحلية والبلديات والولاية.

‎فتقريبا رغم أنه لا يوجد ضبابية في عمل المجلس الوطني للجهات والأقاليم بعيدا عن عمل مجلس نواب الشعب،حيث يرى أغلبية المتابعين لهذه المسألة من الخبراء اليوم أنه يجب الذهاب نحو مزيد توضيح الصلاحيات والمهام والتي لا يمكن إلا أن تكون عن طريق مبادرة تشريعية من الحكومة أو من رئاسة الجمهورية تتعلق بتنظيم العلاقة بين الغرفتين التشريعيتين لا سيما أن الفصلين 84 و85 حددا أهداف المجلس في العموم.

‎وكما هو معلوم فان الفصل 85 من الدستور، ينصّ على أن يمارس المجلس الوطني للجهات والأقاليم صلاحيّات الرّقابة والمساءلة في مختلف المسائل المتعلّقة بتنفيذ الميزانيّة ومخطّطات التّنمية،وتعرض وجوبا على هذه الغرفة التشريعية الثانية، حسب الفصل 84، المشاريع المتعلّقة بميزانيّة الدّولة ومخطّطات التّنمية الجهويّة والإقليميّة والوطنيّة لضمان التّوازن بين الجهات والأقاليم. كما تصادق مع مجلس نواب الشعب على قانون الماليّة ومخطّطات التّنمية بأغلبيّة الأعضاء الحاضرين على ألاّ تقلّ هذه الأغلبيّة عن الثلث.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

هجرة المهندسين التونسيين : ظاهرة خطيرة تستدعي حلولا عاجلة

لا يختلف اثنان اليوم حول ارتفاع ظاهرة هجرة المهندسين في السنوات الأخيرة وما تمثله من خطورة…