2024-06-01

بالعمل الاستباقي التوعوي والوقائي والردعي : تأمين المحاصيل مسؤولية وطنية مشتركة

ينطلق هذه الأيام موسم حصاد الزراعات الكبرى في مختلف ربوع الوطن، وتشير بعض المصادر الرسمية الى ان التقييم الأولي لصابة الحبوب يؤكد أنها ستتجاوز السنة الماضية بقليل لكنها ستكون متوسطة أو دون المتوسط، وبالتالي فان المطلوب تأمين المحاصيل أولا وتحفيز الفلاحين وسلطة الإشراف ثانيا للاستعداد للموسم الفلاحي القادم وتجاوز عثرات هذا العام.

وتتأكد من يوم إلى آخر أهمية تأمين المحاصيل الزراعية في بلادنا خصوصا مع تسجيل بعض الحرائق هنا وهناك، ففي ولاية باجة على سبيل المثال سُجّلت سبع حرائق بمزارع الحبوب في الفترة المتراوحة بين واحد و 27 ماي الجاري اغلبها بمعتمدية مجاز الباب والتهمت النيران مساحة تقدر بعديد الهكتارات من القمح والشعير.

وكما هو معلوم فان آفة النيران ليست مستجدة، ففي كل عام يكابد الفلاحون والسلط المحلية والوطنية وكذلك بواسل الحماية المدنية وحتى المؤسسة العسكرية عناء إطفاء الحرائق، ليس حماية للمحاصيل فقط ولكن حماية للمتساكنين أيضا وكذلك المخزون الحيواني.

وبعيدا عن التهويل وتخويف الناس، لا مناص من التحذير من فرضية نشوب الحرائق في قادم الأيام، سواء منها العفوية العشوائية التي تنجم عن التقاء عوامل طبيعية كالحرارة المشطة والرياح العاتية وأخطاء بشرية غير مقصودة نتيجة قصور ثقافي مواطني، أو جراء فعل إجرامي كما كشفت ذلك الجهات الأمنية والقضائية في السنوات الماضية فهناك من يتربص بالوطن وبالأمن الغذائي للمواطنين وهناك من لا يدرك خطورة فعلته وانحرافه..

إن حماية محاصيل الزراعات الكبرى مسؤولية وطنية مشتركة تتكامل فيها الأدوار بين جميع الأطراف المعنية دون مفاضلة أو تمييز بين حلقة أو أخرى مهما كان حجمها في عملية الانتاج الفلاحي، فالفلاح، ليس الحلقة الأضعف وهو مسؤول بنفس الدرجة مع هياكله المهنية وكذلك سلطة الإشراف والقوات المكلفة بإنفاذ القانون في المؤسستين الأمنية والعسكرية ومرفق القضاء، دون أن ننسى دور بقية الوسائط التقليدية من منظمات مدنية وجمعيات ونقابات وحتى أحزاب سياسية وكذلك الإعلام ودوره الرئيسي في نشر الثقافة والوعي بالأمن الإنساني الشامل.

وحسنا فعلت وزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري أمس بدعوة كافة الفلاحين للانطلاق الفوري في عمليّة الحصاد عندما تكون نسبة الرطوبة مناسبة وفق المعايير العلمية وتسليم منتوجاتهم من الحبوب لمراكز التجميع المصادق عليها وتفادي البيع عبر المسالك الموازية.

وأوضحت الوزارة في بيان لها أن هذه الدعوة والحرص على إنجاح موسم الحصاد الحالي يتنزل في إطار حسن الاستعداد للموسم القادم.

من جهة اخرى برزت استعدادات الحماية المدنية وجاهزيتها للتدخل عند الضرورة، بل يحسب لها أنها وفي إطار الوقاية والاستباق شرعت بعد في تفقد نقاط تجميع المحاصيل والتأشير للنقائص والسلبيات التي تشوبها وتتسبب بالتالي في عواقب وخيمة وذلك من خلال تنظيم أيام تحسيسية يقع فيها تقديم توصيات مباشرة للفلاحين للوقاية من الحرائق والتحسيس بطرق استعمال معدات الإطفاء..

بدوره، يجب أن لا يتخلّف الإعلام عن القيام بدوره في هذا الموسم الفلاحي الدقيق سواء بصفة مباشرة أو عبر شراكات معمّقة مع سلطة الإشراف ومع الفلاحين في مواقع عملهم.

إن حماية المحاصيل ليست موضوعا إعلاميا موسميا يخوض فيه الإعلام بين الفينة والأخرى مع انطلاق الزراعة أو الحصاد وإنما يجب أن يتنزل ضمن سياسات تحريرية تترجم مقولة أن الحل لأزمة الاقتصاد التونسي هي الفلاحة ولا يتم ذلك إلا من خلال الاهتمام بالفلاحة وشواغلها ونقاط قوتها وضعفها على مدار الأيام.

ويُسجل في هذا السياق ان عددا من وسائل الاعلام المرئية والسمعية والمكتوبة شرعت منذ فترة في تخصيص مساحات مهمة للشأن الفلاحي، بيد ان ما يُقدّم الى حد الان بحاجة للتطوير والجرأة وتدخل سلطة الاشراف لجعل المادة الاعلامية ضمن الاستراتيجية الوطنية للفلاحة في بلادنا وليس ضمن الاستراتيجيات الشخصية لهذا الفلاح او ذاك والذي بمقدوره، بمجرد دعم وتبني هذا البرنامج التلفزي أو ذاك أن يمرر أجندته الخاصة التي يمكن لها أن تعود بالفائدة عليه لكننا نظل دائما بحاجة الى تعميم الفائدة.

ان مؤسسات الإعلام مدعوة لوضع الشأن الفلاحي على رأس جدول أعمالها وخطوطها التحريرية، وفي سبيل تحقيق الهدف الأسمى وهو الأمن الغذائي، من الضروري البحث والانخراط في شراكات مع الجميع كما أسلفنا فالمادة الإعلامية المتخصصة في المجال الفلاحي مصدرها الفلاح واتحاد الفلاحين ونقابة الفلاحين ووزارة الفلاحة ومعاهدنا العليا الفلاحية وكذلك الخيارات السياسية هي من مسؤوليات الدولة والوظيفة التنفيذية فيها التي تحدد السياسات العامة للدولة وتسهر على تأمينها في الواقع.

إن عملا كبيرا في انتظار الجميع للتحسيس والتوعية واستباق الأمور إلى جانب الردع والضرب بيد من حديد على ايدي كل من يريد أن يعبث بقوت وأمن التونسيين الشامل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

لتحقيق التنمية الاقتصادية، السلم الاجتماعي والإشعاع الدولي : التونسيون بالخارج طرف رئيسي في المعادلة

كشف مدير عام ديوان التونسيين بالخارج خلال شهر مارس الماضي أن عدد الجالية التونسية بالخارج …