لو تأمّلنا محتوى لقاءات الرئيس قيس سعيد الأخيرة مع رئيس الحكومة أو مع عدد من الوزراء بشكل منفرد  ننتبه الى مسألة على غاية من الأهمية في علاقة بالتعيينات الجديدة صلب الحكومة ذاتها حيث لم تعد فكرة الولاء للمسار هي المحدّد للاستمرار في الحكومة أو للالتحاق بها… بل ان الانتماء للمسار ولمشروع الرئيس برمّته لم يعد شرطا أو قياسا للحظوة بمكانة متقدمة في الدولة… وبأكثر وضوح يبدو أن الرئيس قيس سعيد سيمضي عميقا في ترسيخ اختيارات جديدة تحت عنوان :«أن تكون منتميا للمسار ومنتصرا له فهذا لا يعني حظوتك ـ بالضرورة ـ بمسؤولية متقدمة في الدولة…» ما يعني التوجه للقطع ـ تماما ـ مع «عقلية الغنيمة» على أساس الولاء باعتبار أن المرحلة تحتاج الى كفاءات قادرة على اسناد مؤسسات الدولة ولا تحتاج الى «ولاءات» قد تتحوّل بعد ذلك الى ثقل على الدولة ذاتها لانعدام الكفاءة والنجاعة في الاداء خاصة في الوزارات السيادية المسؤولة عن استقرار الدولة والمجتمع على غرار العدل والداخلية والشؤون الاجتماعية وهي الوزارات التي تمسك ـ موضوعيا ـ بكل أسباب الاستقرار الامني والمجتمعي وأي ارتباك أو خلل في الاداء فانه يرتد مباشرة على مؤسسات الدولة برمّتها والتي يمسك الرئيس قيس سعيد بكل مفاصلها وهو المسؤول دستوريا عن طبيعة الأداء الحكومي والذي من المفترض ان يكون موحّدا ومتناغما مع اختيارات الرئيس ما يفرض ـ موضوعيا ـ أداءً حكوميا موحّدا على خط سيادي واحد يضع قيس سعيد «عناوينه الكبرى» وهو ما أكد عليه خلال لقاءاته المتكررة بأحمد الحشاني رئيس الحكومة والذي تبدو حكومته أو بعض اعضائها في عزلة عمّا هو مطلوب منهم مايفسر تردّدهم في تقديم مبادرات أو مشاريع انقاذ صلب القطاعات الراجعة إليهم بالنظر… ونجزم أنه لا وجود لوزير في حكومة الحشاني تقدم بمشروع انقاذ أو تطوير للقطاع الذي يشرف عليه وأغلبهم بصدد ادارة شؤون وزاراتهم دون أن تكون أمامهم «بوصلة تحرك وانجاز» بل ثمّة من القطاعات من ثقلت موازينها لحجم الفساد واللامبالاة على غرار قطاع النقل وهو الأكثر كارثية في تونس وعنوانا كبيرا من عناوين «التدهور القطاعي» والذي تتجلى مشاكله بوضوح في الشوارع وفي محطات النقل وهنا نعيد سؤالا كنا طرحناه أكثر من مرة على السيد وزير النقل السابق واللاحق: هل هو مطّلع على تفاصيل صفقة الحافلات القديمة التي اقتنتها وزارته من أسطول الخردة الفرنسية..؟ وهل يدرك أن أغلبها منتهي الصلوحية ورغم ذلك تمّ اقتناؤها بالعملة الصعبة ليتم بعد ذلك تكديسها في مستودعات الخردة..!؟

إعفاء كل من وزير الداخلية كمال الفقي ووزير الشؤون الاجتماعية مالك الزاهي نفهمه في هذا السياق الذي يشدّد فيه الرئيس قيس سعيد على وحدة القرار ووحدة الدولة وعلى نجاعة الأداء الحكومي والسرعة في ترجمة التعليمات الرئاسية وفق تصورات غير معزولة عن اختيارات الرئيس وإنما من صلبها ومن صميمها باعتباره المسؤول ـ دستوريا ـ على الخط السيادي في علاقة بالسياسات العامة وبالتالي فإنه لا مجال للاستمرار في الوزارة حتى وإن كنت «الابن المدلل» للمشروع السياسي للرئيس قيس سعيد والذي كما أشرنا  اختار فصل الوصل بين الانتماء للمشروع السياسي والانتماء للدولة ومؤسساتها فالأول لا يؤدي بالضرورة الى المستوى الثاني ما نعتبره اختيارا موضوعيا يعي عميقا طبيعة المرحلة وثقلها إضافة الى ثقل الاستحقاق المقدمة عليه تونس خلال الاشهر القادمة والمتعلق بالانتخابات الرئاسية زائد استعجالات مجتمعية وأمنية تستدعي الحكمة والحسم.. وعليه فإنّ اعفاء كل من وزير الداخلية ووزير الشؤون الاجتماعية لم يكن مفاجئا في هذا السياق العام المحاصر بأكثر من استعجال وطني واقليمي ودولي وكل المؤشرات مهدت ـ في الواقع ـ لهذا الاعفاء رغم ما يحظى به الوزيران من مكانة متقدمة في دوائر المشروع السياسي للرئيس قيس سعيد ما يؤكد ما أشرنا اليه في التوجه الجديد للرئيس نحو فصل الوصل بين المشروع السياسي وبين التعيينات في الدولة ومؤسساتها.. فهذا لا يضفي الى ذاك بالضرورة وهو خيار سليم نرجو أن يشمل كل المواقع المتقدمة في الدولة التي تحتاج الى قدرات عالية من الكفاءات التي تزخر بها الادارة التونسية في مختلف الاختصاصات.

نشير في الأخير الى أنّه ولأوّل مرّة يستقبل الرئيس وزيرين بعد اعفائهما وفي ذلك ـ ربما ـ تأكيد على أنّ السيد كمال الفقي ومالك الزاهي وهما وزيران سياسيان لن يغادرا «مشروع الرئيس» وستكون لهما أدوار أخرى قادم الأيّام خاصة مع اقتراب الانتخابات الرئاسية والتي تستدعي وجود داعمين سياسيين في حجم ماهو منتظر من الاستحقاق وما سيحفّ به ومن حوله من تداعيات..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

ذكرى الجمهورية بين «واقعتين»..!

يحتفل التونسيون اليوم بالذكرى 67 لعيد الجمهورية الموافق لـ25 جويلية 1957وهي ذكرى عزيزة على…