2024-05-28

التحوير الوزاري الجزئي : هل انحاز الرئيس للنجاعة والفاعلية على حساب «المشروع»

لعلّ الحدث السياسي الأبرز هذه الأيام هو بلا منازع التحوير الوزاري الجزئي الذي أجراه رئيس الجمهورية قيس سعيد مساء السبت المنقضي والذي بمقتضاه تمّ إعفاء كل من السيد كمال الفقي  والسيد مالك الزاهي من منصبيهما. وتولى تعيين السيد خالد النوري وزيرا للداخلية والسيد كمال المدوري وزيرا للشؤون الاجتماعية.

وفي بادرة لعلها الأولى من نوعها تولى رئيس الجمهورية استقبال الوزيرين المنتهية مهامهما وتحادث إليهما وهو ما لم يقم به سابقا مع أي وزير مقال سواء كان من أبناء المشروع أو من غيرهم  مما يوحي بأنهما سيدعيان إلى مهام أخرى. ومما يشي أيضا بأنهما محل ثقة ورضا وان إعفاءهما لم يكن لاستياء الرئيس منهما أو رغبة منه في إخراجهما من دائرة الضوء بشكل نهائي، بل يمكن ان نمضي ابعد في التأويل لنقول ان الرجلين ما يزالان فاعلين وربما أكثر من أي وقت مضى في المشروع السياسي للرئيس بشكل خاص وفي المشهد التونسي الراهن عموما.

ويتخذ هذا التحوير أهمية بالغة رغم انه تحوير جزئي نظرا لأهمية الوزارتين المعنيتين من ناحية وللعلاقة الوثيقة للوزيرين برئيس الجمهورية باعتبارهما من أبناء مشروعه السياسي ومن المراهنين على إرساء قواعده سواء عبر البناء القاعدي او الشركات الأهلية .

فهما كما لا يخفى على أحد كانا من الأعضاء البارزين في التنسيقيات التي دعمت الرئيس قيس سعيد عندما خاض الانتخابات الرئاسية في استحقاق 2019.

والحقيقة ان هذا التحوير الجزئي أثار عاصفة من السجالات والتحاليل خاصة في الفضاء الافتراضي إذ انبرى رواد مواقع التواصل الاجتماعي للنقاش حول هذه المسألة. ومحاولة تفسيرها حينا وتوظيفها أحيانا كل وفق أهوائه وتموقعه السياسي سواء كان في الموالاة  أو المعارضة.

ولكن الثابت أن رئيس الجمهورية اختار أن يذهب في اتجاه تكليف كفاءات من التكنوقراط في هذين المنصبين الوزاريين مما يوحي ضمنيا أن رئيس الجمهورية لم يكن مقتنعا تمام الاقتناع بأداء كل من وزير الداخلية السابق كمال الفقي الذي لم يمض على تعيينه  الكثير على رأس هذه الوزارة فقد تولى هذا المنصب يوم 17 مارس 2023 في حكومة السيدة نجلاء بودن.

والامر ذاته ينطبق على وزير الشؤون الاجتماعية مالك الزاهي مع بعض الاختلافات فهو تولى مثلا هذا المنصب منذ 2021.

ويذكر أن  رئيس الجمهورية قيس سعيد التقاه  في أكثر من مناسبة  في الفترة الأخيرة وبدا واضحا أنه غير راض عن تعامله مع بعض الملفات التي ماتزال علاقة. وقد يكون تقييم الرئيس سلبيا لأدائه إجمالا وهو الذي دعاه إلى العمل على التسريع بوضع التشريعات الملائمة في مجال تخصص وزارته في  ما يتعلق بعقود المناولة على وجه التحديد.

كما ان الحرص الشديد لرئيس الجمهورية قيس سعيد على الملف الاجتماعي وتشديده دوما على ضرورة صوغ الرؤى والخطط العملية من اجل خدمة مصالح عموم التونسيين وهذا لم نلمس ما يوازيه من إجراءات فعلية وعملية من قبل الحكومة وبالتحديد وزارة الشؤون الاجتماعية، وربما هذا ما قاد إلى إعفاء الوزير بشكل مباشر.

وإذا هذا أمر وزير الشؤون الاجتماعية فإن إعفاء وزير الداخلية كمال الفقي وهو المقرّب أيضا من رئيس الجمهورية يمكن تفسيره بالاعتمالات الكبرى التي تعيشها هذه الوزارة السيادية والتي من ابرز تمظهراتها ملف الهجرة غير النظامية الذي ألقى بظلاله على بلادنا اجتماعيا وسياسيا وأمنيا واقتصاديا وبيئيا وحتى اللحظة لم نلمح آفاقا  لحلول جذرية له.

وبعيدا عن كل التحاليل والتخمينات الممكنة فإن الثابت ان رئيس الجمهورية انحاز الى أبناء الإدارة من خلال تكليفه لشخصيات من التكنوقراط بعيدين عن السياسة مفضلا تكليفهم بمهام وإعفاء أبناء المشروع من تحمل مسؤوليات سياسية مباشرة على رأس الوزارات ربما تمهيدا للرهان عليهم في  مهام أخرى.

والأكيد أن رئيس الجمهورية قيس سعيد اختار ان ينحاز للفاعلية والنجاعة في إدارة مفاصل الدولة ولو على حساب الولاء من قبل جماعة مشروعه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

عن المنظومة التربوية مرة أخرى..

هل بدأنا نحصد ما زرعناه ومن يزرع الشوك يجني الجراح كما قال شاعرنا الخالد أبو القاسم الشابي…