2024-05-26

رئيس الجمهورية كثّف دعواته لتعزيز عملها: هل تنجح الحكومة في تجاوز معضلات التنفيذ ؟

مرّة أخرى يجدّد رئيس الجمهورية قيس سعيد لدى استقباله رئيس الحكومة أحمد الحشاني بقصر قرطاج أول أمس الجمعة، تأكيده على ضرورة تعزيز العمل الحكومي خاصة في المجالين الاقتصادي والاجتماعي والإسراع في إعداد النصوص التشريعية التي تقطع مع الماضي وتفتح آفاقا أوسع لكل التونسيين من أجل تحقيق الثروة والتوزيع العادل لها.

كما شدّد رئيس الجمهورية وفق ما جاء في الصفحة الرسمية للرئاسة في موقع التواصل الاجتماعي بالفايسبوك على ضرورة تبسيط الإجراءات الإدارية حتى لا تكون عقبة أمام المستثمرين سواء منهم التونسيين أو الأجانب.

واللاّفت في توجيهات الرئيس التي يكرّرها بشكل منتظم تقريبا في كل لقاء برئيس الحكومة أو بالوزراء جماعة أو فرادى، انها تعكس قلقه من حدود ومحدوديات الانجاز الحكومي وهي نقطة تثير القلق لأننا في سياقات أزمة مركّبة طال أمدها ويحرص الجميع على ضرورة تجاوزها كما أننا نستعد لاستحقاق انتخابي من العيار الثقيل هو الانتخابات الرئاسية التي ستكون مناسبة لتقييم المنجز وتحميل المسؤوليات.

وفي هذا الإطار لسنا نغالي حين نقول ان درجة التفاعل والفعل والتجاوب الحكومي مع توجيهات الرئيس ليست في حجم انتظاراته وأن بعض الاجتهادات والنقائص وحتى الأخطاء هي في نهاية المطاف تُسجّل في حصاد ساكن قرطاج وليس القصبة وهو أمر يكرسه الدستور الجديد الذي يضع السياسة العامة للدولة من صنيع رئيس الجمهورية فيما يتولى الفريق الحكومي التنفيذ، والتنفيذ في نهاية المطاف هو المعضلة التي رافقت منظومات الحكم المتعاقبة بعد ملحمة 14 جانفي 2011 غير المكتملة .وكانت سببا في إحراجها أمام الشعب وليس أمام الخصوم فقط، وهو ما أدى في بعض الحالات الى سقوطها وتغييرها.

وكأننا بالرئيس قيس سعيد عند حديثه الى رئيس الحكومة أحمد الحشاني وتذكيره بالمؤشرات الاقتصادية والمالية الايجابية في هذه الفترة، يذكّر بانتفاء الحجج وبضرورة التقدم إلى الأمام دون تردد وهذه الرسالة وان كانت قد وصلت إلى الوزراء بعد نشرها في الإعلام، فإن ساكن القصبة مطالب في المرحلة القادمة بالاستئناس بها في إدارة فريقه الحكومي وتوجيهه وتذليل العقبات أمامه وتقييم العمل بشكل منتظم حتى لا تتراكم المشكلات ويصبح تنفيذ المشاريع ضربا من الإعجاز.

ومن خلال اللقاءات التي تمّت في نفس اليوم مع عدد من الوزراء، يمكن القول أن رسائل رئيس الجمهورية كانت واضحة، فوزارة النقل التي تُسيّر بالنيابة من قبل وزيرة التجهيز والإسكان مدعوة إلى إيجاد حل نهائي للمشاريع المعطّلة على غرار المشروع المعروف بـ«سماء دبي» بما يحفظ مصلحه الدولة التونسية حسب سيادته. إن أوكد الأولويات اليوم أمام سارة الزعفراني صاحبة الحقيبتين الوزاريتين، تحريك ملف مشاريع البنية التحتية الراكدة وحلحلة مشكلات النقل برا وبحرا وجوا، فالخدمة الاجتماعية في هذا المجال هي التي تمثل شرطا أساسيا من شروط العيش الكريم للمواطنين.

ويؤكد الجميع أن تعبئة الموارد هي من بين أبرز التحديات التي تواجه حكومة الرئيس لتحقيق ما تيسر مما جاء في ميزانية 2024 والمشاريع المدرجة فيها سواء منها الجديدة او القديمة، وهنا دعا ساكن قرطاج وزيرة المالية سهام البوغديري الى مضاعفة الجهود من أجل الحد من التهرب الجبائي وحسن التصرف في الأملاك المصادرة وإيجاد حلول نهائية لها تحفظ ديمومتها وتحفظ حق الشعب التونسي والسؤال يظل مطروحا دائما حول هذا البطء والتردد في غلق هذا الملف رغم الحرص الرئاسي والشعبي.

وحتى في موضوع الحريات، اختار رئيس الجمهورية أن يردّ أمام وزيرة العدل ليلى جفال على الانتقادات الواسعة للأحكام والتتبعات والملاحقات القضائية لبعض الإعلاميين والسياسيين وحتى المواطنين العاديين في الأيام الماضية بالتأكيد على انه لا تراجع عن الحريات وأن حرية التعبير مضمونة بالدستور وجدّد مقولته الشهيرة بأن الأهم هو حرية التفكير رابطا بينها وبين السيادة ملمّحا إلى أن التورط مع الخارج مرفوض وأن البلاد هي في مرحلة تحرير وطني من الأدران التي علقت بها على مرّ العقود حسب تعبيره.

وبهذا الحديث،  خفّف رئيس الجمهورية على الوزيرة عبء الدفاع عن الوظيفة القضائية وتحمّل المسؤولية السياسية لما يحدث، وشدّد على ضرورة مواصلة تفكيك ملفات الفساد وكشف تغوّل اللوبيات وأصحاب المصالح في مفاصل الدولة بغرض توظيفها لأغراض خاصة، وهذه الدعوة تحمّل مرفق القضاء مسؤولية التناغم مع ساكن قرطاج واجتياز امتحان العدل والنجاز بنجاح..

لقد عرفت حكومة الرئيس الحالية تحويرات عدة منذ تنصيبها، وعرفت شغورات لبعض الوقت كما هو حاصل الآن في وزارتي الثقافة والنقل، وتعرضت الى انتقادات من أنصار الرئيس أشد وأعتى من انتقادات خصومه، وفسّر البعض ذلك برغبة الأنصار في الحصول على نصيبهم من الغنيمة فيما رأى البعض الآخر في ذلك إجماعا على أن نسق العمل الحكومي لا يجاري نسق عمل رئيس الجمهورية ولئن كان الأمر مقبولا في السابق فان الدخول في الزمن الانتخابي الآن يجعل الدعوة إلى الانضباط والعمل والانجاز ورفع التحديات شعار المرحلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

لتحقيق التنمية الاقتصادية، السلم الاجتماعي والإشعاع الدولي : التونسيون بالخارج طرف رئيسي في المعادلة

كشف مدير عام ديوان التونسيين بالخارج خلال شهر مارس الماضي أن عدد الجالية التونسية بالخارج …