حل بيننا البروفيسور منجي الباوندي صاحب جائزة نوبل للكيمياء  ضيفا على تونس بلده الأصلي وتم تكريمه بوسام الجمهورية من قبل رئيس الجمهورية قيس سعيد.

وكانت هذه المناسبة فرصة سانحة التقى  خلالها  العالم  الكبير مع نخبة من الباحثين التونسيين في المدرسة العليا للمهندسين بتونس وحفّزهم في الكلمة التي ألقاها على المثابرة والإيمان العميق بالقدرات الذاتية من اجل التأسيس للمشروع العلمي الذي يريده كل واحد منهم. وضجّ المدرج الكبير بالحضور العلمي  لهذه المؤسسة الجامعية العريقة التي تعد واحدة من أهم منارات التعليم العالي والبحث العلمي في تونس. وتكوّن الحضور  من باحثين وأساتذة ومهتمين بهذا المجال إلى جانب بعض الإعلاميين.

والحقيقة انه منذ إعلان فوز البروفيسور منجي الباوندي بجائزة نوبل للكيمياء لعام 2023 وهناك اهتمام بالغ من قبل عدد كبير من التونسيين واحتفاء بالغ أيضا وقد تولى رئيس الجمهورية وقتها الاتصال بهذا العالم وقام بتهنئته بهذا التتويج العلمي المهم جدا. ويجدر التذكير هنا أن جائزة نوبل للكيمياء لعام 2023 منحت لثلاثة باحثين مقيمين في الولايات المتحدة الأمريكية. وهم العالم التونسي منجي الباوندي من «ماساتشوستس إنستيتيوت أوف تكنولوجي» («إم آي تي») ولويس بروس من جامعة كولومبيا وأليكسي إكيموف الذي يعمل في «نانو كريستلز تكنولوجي» عن «اكتشاف نقاط كمومية وتخليقها».

والحقيقة أن هذا الحدث المهم يجعلنا نطرح عديد الأسئلة المهمة المتصلة بمجال البحث العلمي  وبصناعة المعرفة  وبتفاعل الجامعة مع المجتمع وغيرها من القضايا المهمة التي كانت مطروحة منذ ستينات القرن الماضي عند تأسيس النواة الأولى للجامعة التونسية التي قال عنها عالم الاجتماع الفرنسي الكبير ومترجم القرآن جاك بيرك إنها ستكون منارة وقد صدقت نبوءته.

فقد تمكنت هذه الجامعة الفتية من أن تكون مخبرا لصناعة نخبة فكرية تونسية مستنيرة كما كانت فضاء رحبا للاعتمالات الكبرى السياسية والاجتماعية التي عرفها المجتمع التونسي في مراحل مهمة ودقيقة من تاريخه المعاصر.

كما كانت أيضا جاذبة لعديد المفكرين والباحثين الغربيين الذين تولوا التدريس فيها واستلذوا العيش في تونس مستفيدين من حالة الانفتاح الفكري التي  تميز هذا البلد.

ولكن من المؤسف القول إن وضعية الجامعة التونسية اليوم تحتاج إلى مزيد التطوير فهناك تراجع لا تخطئه العين في العقود الأخيرة.

كما ان البحث العلمي في بلادنا في حاجة إلى جهود مضنية وموارد مالية ضخمة ترصد له من أجل أن يكون مخبرا لصناعة المعرفة . 

فميزانية وزارة التعليم العالي والبحث العلمي كما لا يخفى على أحد  ضعيفة جدا كما أن وحدات البحث ومخابره تعاني من صعوبات جمة تجعلها لا تستطيع العمل بالكفاءة والنجاعة  التي يريدها كل باحث.

ولأن الاشتغال على الرمزيات مسألة بالغة الأهمية فإن حصول البروفيسور منجي الباوندي على جائزة نوبل للكيمياء يمكن  استثمارها أفضل استثمار. ويمكن أيضا الترويج  لفكرة الذكاء التونسي والكفاءات النوعية التي حصدت النجاحات والتتويج العلمي سواء في تونس أو خارجها.

ومن المعروف أن هذا البلد الصغير جغرافيا والمحدود من حيث المقدرات الطبيعية  تمكّن من إنجاب أدمغة ساهمت قديما وحديثا في إثراء المدونة العلمية والفكرية للحضارة الإنسانية بأكملها ولنا في رائد علم الاجتماع عبد الرحمان بن خلدون خير مثال.

وهنا يمكننا ان نستلهم من الأسلوب الذي تعامل به الأشقاء في مصر مع تتويج العالم المصري الراحل احمد زويل بجائزة نوبل للكيمياء  عام 1999 وكاد ان يحصل عليها مرة ثانية لكن رحيله عام 2016 حال دون ذلك.

وهو الذي قام بتأسيس مدينة علمية باسمه وساعد عديد الباحثين المصريين على الالتحاق بجامعة كاليفورنيا  التي كان يعمل بها ليحققوا إشعاعا كبيرا. كما سعى إلى تطوير ونشر تلك التجربة النموذجية في عديد البلدان ومن بينها تونس التي زارها وحاضر فيها وعرض بحوثه بشكل مبسط أمام جمهور عريض من المهتمين بمجال بحثه.

والأكيد أننا يمكن أن نستثمر في رمزية شخصية البروفيسور الباوندي ويمكن أن يكون تكريمه في بلده الأصلي فرصة للقيام بوقفة تأمل من قبل وزارة التعليم العالي والبحث العلمي لطرح مقاربات جديدة بهذا الخصوص والتفكير جديا في تطوير هذا المجال المهم عن طريق التفكير في  إنشاء مجلس أعلى للتعليم على غرار مجال التربية على سبيل الذكر لا الحصر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

السيادة الغذائية رهان الجمهورية ..أيضا !

 تعيش تونس هذه الأيام ديناميكية مهمة تشمل الجانب السياسي والاقتصادي والاجتماعي ويمكن اعتما…