عودتهم الموسمية على الأبواب : مقاربة جديدة في التعامل مع التونسيين بالخارج
يجري العمل على قدم وساق هذه الأيام لتأمين الموسم السياحي خصوصا ونحن على أبواب الصيف الذي يمثّل أيضا فرصة لعودة التونسيين المقيمين بالخارج. وفي هذا الإطار لا يمكن التعامل مع أهلنا العائدين لقضاء العطلة بيننا على أساس أنهم من السياح رغم أن طيفا لا يستهان به منهم يضاهي في قدومه وفوائده ما يجود به علينا الأجانب.
وكما هو معلوم أيضا، فقد جرت العادة أن يتم إيلاء المهاجرين اهتماما خاصا في عديد المجالات سواء في مستوى النقل أو الإقامة في الأماكن السياحية أو الاستثمار وبعث المشاريع علاوة على تحريك الدورة الاقتصادية سواء بالاستهلاك أو بإدخال العملة الأجنبية الأمر الذي يجعل البنك المركزي على سبيل المثال ينتشي ويصدر البيانات ليبشّرنا بارتفاع مخزوننا منها.
ووفق بعض الإحصائيات الرسمية، فإن عدد التونسيين المقيمين بالخارج يناهز المليونين، أكثر من الثلثين منهم مقيمون في عموم أوروبا فيما تستقطب الدول العربية وأساسا دول الخليج ٪10، ويقال أن أمريكا الشمالية هي من الوجهات الجديدة للجالية التونسية والحديث هو دائما عن المهاجرين النظاميين، أما المهاجرون غير النظاميين فأعدادهم غير متوفّرة وتشير بعض منظمات المجتمع المدني إلى أنهم يقدرون بعشرات الآلاف..
ولا تقف أهمية التونسيين بالخارج عند العدد فقط حتى وإن أخذنا بعين الاعتبار أنهم مندمجون في المجتمعات التي يقيمون فيها ويمارسون حقوقهم وحرياتهم، وفيهم من يتبوأ مناصب مهمّة في مفاصل الدول المستضيفة ومن يخوض التجارب السياسية والاجتماعية فيها، وهم فوق كل ذلك يمثّلون وزنا ديموغرافيا مؤثرا في الاستحقاقات الانتخابية وفي التعاطي مع المشكلات الطارئة محليا وإقليميا ودوليا، ولهم وزن في الاقتصاد في بلدان الإقامة وفي بلدهم الأصلي.
لقد تجاوزت تحويلات المهاجرين التونسيين على سبيل المثال عام 2023 حسب المدير العام لديوان التونسيين بالخارج 7 مليارات دينار، ليس ذلك فحسب غطت هذه التحويلات ٪65 من الدين الخارجي وساهمت في زيادة مدّخرات البلاد من النقد الأجنبي.
وهذه التحويلات تعود بالفائدة كما أسلفنا على الدولة، والاهم من كل ذلك أنها تعود بالفائدة المباشرة على عائلات المهاجرين أنفسهم فتنعش حياة البعض وتنقذ البعض الآخر من الخصاصة وتغيّر حياتهم نحو الأفضل.
ان جهات وقرى بعينها تكاد تكون مرتبطة بشكل وثيق بالمهاجرين ولا يصلح حالها الا بفضل بصمة هؤلاء المهاجرين، وذلك بدعم عائلاتهم وتحسين مساكنهم وخلق المشاريع الاقتصادية والإحاطة الاجتماعية بهم.
ومن هذا المنطلق، حان الوقت لتطوير مقاربتنا في التعامل مع مهاجرينا في الخارج،صحيح أن حسهم الوطني وتعبيرهم الدائم عن الانتماء لتونس والاعتزاز برايتها أمر ثابت وبارز في الفضاء العام في الدول المضيفة،لكن ذلك لا يمنع الدولة من النظر إليهم بنفس الطريقة التي تنظر بها إلى مواطنيها في الداخل فهم ليسوا فقط مصادر للعملة الأجنبية وبعث المشاريع وليسوا كذلك أرقاما انتخابية يراهن عليهم في كل محطة انتخابية وتتضخم الوعود لتتبخر بمجرد انتهاء «العرس الانتخابي» ونعود إلى طاحونة الشيء المعتاد.
لقد ارتفع منسوب الأمل للتونسيين في الخارج بعد ملحمة 14 جانفي 2011 غير المكتملة، ونتذكّر جيدا ذاك الإقبال الحماسي على العودة لقضاء عطلة الصيف في ربوع الوطن، رغبة تقلّصت كي لا نقول تلاشت للأسف بمرور الأعوام وأصبح مجيء عدد لا يستهان به من التونسيين في اطار القيام بالواجب العائلي واحتراما للتقاليد وهو ما يجب ان ننتبه اليه ونعيد الاعتبار الى هؤلاء «السفراء» الذين اذا ما حلّوا في بلادهم بلادنا وطاب لهم فيها المصيف يعودون اليها بشكل متواتر و«يحرضون» غيرهم من الأجانب على المجيء اليها، وهذه مسألة يجب إدراجها في خططنا الاتصالية في مجال دعم السياحة كخيار استراتيجي في الوقت الحاضر للاقتصاد التونسي.
اننا مدعوون للمراهنة على دعم السياحة بفضل جاليتنا بالخارج التي بمقدور كل فرد فيها ان يستضيف ويقنع «الأصدقاء» في الدول المضيفة بزيارة تونس.. وهذه الخطوة او الخطة ممكنة وبسيطة في ظاهرها لكنها دقيقة لأن الوصول الى إقناع الأجنبي بطيب الإقامة والسياحة في ربوعنا يمر حتما بتمتّع التونسي نفسه بطيب الإقامة خلال عودته المؤقتة إلى ارض الوطن.
في الذكرى الأولى لملحمة طوفان الأقصى «7 أكتوبر..»: نصف الطريق إلى.. القدس عاصمة فلسطين
بكثير من الألم والحزن لفقدان آلاف الأشقاء، لكن أيضا بكثير من الاعتزاز والثقة والتفاؤل نحيي…