صناعة الادوية الجنيسة في تونس : هل تكون حلاّ مستقبليا؟
قد يتفاجأ البعض اذا علم أن تونس تصنع أكثر من ثلاثة آلاف دواء جنيسا، خاصة وان ساحة الادوية تشهد نقصا حادا منذ فترة، وكل من يتدخلون في هذا الشأن، سواء في وسائل الاعلام او في الندوات والمحاضرات يركّزون فقط على ما تجلبه تونس من ادوية من الخارج، وما تعانيه من نقص في العملة الصعبة وصعوبة في التوريد.
لكن الواقع ان تونس تقدمت كثيرا في مجال صنع الادوية الجنيسة رغم ان الدولة لم تدرجها بعد في سلم اهتماماتها كقطاع حيوي يمكن المراهنة عليه لخلق بدائل حقيقية للادوية التي تستنزف مليارات من العملة الصعبة، والتي غالبا لا نجدها في ظل السباق العالمي للحصول عليها وارتفاع أسعارها في السوق العالمية، وندرتها في أغلب الاحيان.
تقارير اعلامية عديدة تحدثت عن ريادة تونسية في هذا المجال، لكن مسؤولي الصحة والصيدلة في تونس لا يبدو انهم يولون هذه الريادة اهتماما جديا، على عكس المملكة الاردنية مثلا، والتي تعتبر منافسا وحيدا لتونس في هذا المجال على مستوى الوطن العربي، والتي اهتمت بالقطاع واولته عناية تامة، وجعلت منه بديلا وطنيا للادوية المستوردة، وأصبحت منذ سنوات مصدّرا هاما لهذا الدواء البديل.
ولئن بدأ الاهتمام يتزايد نوعا ما بهذا القطاع في تونس الا انه لازال محتشما ويخطو خطواته الاولى، حيث تنتظم يومي 17 و18 ماي الجاري بالعاصمة “الأيام الدولية الاولى للادوية الجنيسة والبدائل الحيوية” بمشاركة مختصين وخبراء وصناعيين في المجال من تونس ومن عدد من الدول الأجنبية.
المدير العام للوكالة الوطنية للدواء ومواد الصحة، عبد الرزاق الهذيلي، قال خلال ندوة صحفية استبقت التئام هذه الندوة، انه “يٌصنع في تونس 3168 دواء جنيسا و46 دواء من البدائل الحيوية، وأن الصناعة الدوائية في بلادنا موجودة منذ اكثر من 40 سنة، بما جعل تونس رائدة في المجال على النطاق الافريقي والعربي”.
لكنه في نفس السياق اشار الى ضرورة “تشجيع الصناعة الدوائية الوطنية لما توفره من أرباح، واعادة النظر في القوانين المنظمة للقطاع والتي أضحت “غير ملائمة” لتطور هذه الصناعة، لا سيما وانها تمثل اليوم 50 بالمائة من الدواء”.
وعندما نستمع الى رقم مثل هذا من مسؤول سام في الصحة، وكيف ان هذه الصناعات توفر 50 بالمائة من استهلاك السوق المحلية للادوية، نتساءل لماذا لا توليها الدولة الاهمية والعناية المطلوبة من اجل ان تجعلها تحقق الاكتفاء الذاتي في هذا المجال، وحتى التصدير، خاصة وانها تجربة عالمية ناجحة وناجعة، انطلقت اساسا من شرق آسيا، حيث الكثافة البشرية وكثرة الامراض وغلاء الدواء، فكانت مبادرة من الهند التي كسرت بها احتكار الدواء من قبل كارتيلات المانيا وبلجيكا، وحولته الى “سلعة” رخيصة وفي امكان الفقراء الحصول عليها، وتمكنت من فرضها في العالم ولاقت اعترافا من منظمة الصحة العالمية كأدوية حقيقية لا تختلف في شيء عن الادوية الحقيقية، باهظة الثمن.
فالاصل في الدواء هو تخفيف الالم والمعالجة، وهذه الادوية قادرة على ذلك وبجودة عالية وتكلفة أقل بكثير من سعر السوق، ولها أيضا براءة الأدوية الأصلية، وأكدت كل الدراسات العلمية نجاعتها وفاعليتها بعيدا عن اي مخاطر، و”نسبة هذه الادوية في انقلترا وامريكا والمانيا تتجاوز 70 بالمائة، ولا بد ان تٌرفّع تونس من نسبة الادوية الجنيسة خاصة وانها تحتوي على نفس التركيبة ونفس التكافؤ الحيوي للدواء الاصلي”.
اضافة الى الجانب الاقتصادي من حيث “الضغط على التكلفة والنفقات الصحية الموكولة لوزارة الصحة بالمستشفيات، فضلا عن تقليص تكلفة الادوية بالنسبة للمواطنين، موضحا ان تكلفة الدواء الجنيس أقل بنسبة 40 بالمائة، بما يحقق الفائدة الاقتصادية المنشودة للدولة وللاسرة التونسية على حد السواء، باستعمال هذا الصنف من الادوية”.
وفي المحصّلة يمكن القول ان قطاع الادوية الجنيسة قطاع حيوي، ويمكن ان يكون ضمانة للامن الصحي ويكون بالخصوص بديلا حقيقيا لندرة الدواء وغلاء أسعاره، كما يمكن ان يكون مساهما رئيسيا في توفير العملة الصعبة للبلاد والحد من نزيف الاستيراد. فمتى تضع الدولة هذا القطاع في المكانة الحقيقية التي يستحقها من العناية والاهتمام، وتصنيفه كقطاع حيوي لا بد من كسب رهانه؟.
متى تعي الهياكل أننا بتنا في أمسّ الحاجة لهكذا رؤية: من أجل نموذج فلاحي ملائم للتغيرات المناخية ومخاطر ندرة المياه
رغم توالي سنوات الجفاف، ورغم تحوّل المياه في بلادنا تدريجيا الى عملة نادرة، لا تزال كثير …