2024-05-15

في ظل تفاقم الدعوات لإلغاء العقوبات السجنية : هل سيتم التسريع في إصدار قانون الشيك دون رصيد؟

لا يخفى ما تسبب فيه إصدار شيكات دون رصيد من إفلاس العديد من المؤسسات الصغرى والمتوسطة ومن تتبع أصحابها عدليا وتحصّن البعض بالفرار والحكم على البعض الآخر بالسجن وهو ما دفع آلاف التونسيين إلى الدعوة إلى تنقيح الفصل 411 من المجلة التجارية بسبب العقوبة السجنية التي ينص عليها وزاد بسببها في تعميق مشاكل أصحاب المؤسسات ومنعهم من استكمال نشاطهم ليتمكنوا من سداد ديونهم.

وبالرغم من أن الأمر لم يعد يحتمل التأجيل لتزايد أعداد المتضررين من الفصل 411 سواء من الدائنين أو المدينين إلا انه إلى الآن لم يصدر التصور الجديد  لمشروع القانون المتعلق بإصدار شيكات دون رصيد. إذ لم يتلق مجلس نواب الشعب بعد مقترحا حكوميا يخص هذه المسألة، ما دفع بعدد من النواب إلى إيداع مبادرة في هذا الشأن تمت مناقشتها الأسبوع الفارط في إطار لجنة التشريع العام.

وفي هذا الإطار أفاد ياسر قراري رئيس لجنة التشريع العام في تصريح لـ«الصحافة اليوم» أن هناك مشروع قانون في مستوى الحكومة بل في مستوى رئاسة الجمهورية باعتبار أن ملف الشيكات دون رصيد يمثل محل متابعة من قبل الرئيس قيس سعيد والتقى حوله مع وزيرة العدل في أكثر من مناسبة، كما التقى رئيس الحكومة حوله في مناسبتين. وهذا المشروع كانت منطلقاته من ناحية الإعداد في وزارة العدل وفي لجنة التشريع العام من خلال حوالي إحدى عشرة جلسة استماع ونقاش مع جميع الاطراف. ويقوم المشروع الحكومي على معالجة شاملة لنظام المعاملات بالشيكات وتسميته ليست تنقيح قانون الفصل 411 من المجلة التجارية وإنما تسمية أخرى مرتبطة بتطوير نظام المعاملات بالشيكات وتحسين الأداء المصرفي.

ومشروع الحكومة يقوم على مقاربة تحميل المسؤولية للبنوك في علاقة بإصدار الشيك كورقة تجارية وتطوير نظام المعاملات واعتماد آليات الدفع الجديدة وآليات الدفع الالكتروني بالشيك وغيرها من آليات الدفع الجديدة وتحسين الأداء المصرفي في علاقة بالمؤسسات الصغرى والمتوسطة للحد من عمليات إصدار الشيك دون رصيد. وفي ما يخص نظام العقوبات ونظام التسوية، فيقوم المشروع على العفو على الأشخاص المتعلقة بهم جرائم في الغرض ضمن مقاربة تسوية.

واكد النائب على أن النسخة النهائية لهذا المشروع الحكومي جاهزة، ومع ذلك لم يتم النظر فيه بعد من قبل مجلس الوزراء ولم تتم إحالته على مجلس نواب الشعب. وهو ما دعا النائب إلى التساؤل عن سبب تباطؤ الحكومة للحسم في هذا الملف رغم أن مشروع القانون جاهز ورغم حرص رئيس الجمهورية على تمريره لمناقشته والمصادقة عليه. وذهب إلى اعتبار أن ذلك فيه تلكؤ من الحكومة لإرسال المشروع إلى البرلمان وما يترتب عن ذلك من إشكاليات بلادنا اليوم في غنى عنها.

وفي جانب آخر من مسألة الشيك من دون رصيد، بين رئيس لجنة التشريع العام أن هناك مبادرة تقدم بها مجموعة من النواب. وتتمثل في مبادرة عفو تشريعي في مجال إصدار الشيك من دون رصيد وهي اليوم محل نظر لجنته التي عقدت يوم الجمعة الفارط أولى جلسات الاستماع للنواب المبادرين بمقترح هذا القانون.

وحول بعض تفاصيل هذه الجلسة أفادنا النائب ياسر قراري أن أصحاب المبادرة بمقترح القانون المتعلق بالعفو العام في جريمة إصدار شيك دون رصيد اتجهوا نحو رفع العقوبة السجنية على من تعذّر عليه الوفاء بقيمة الشيك كورقة تجارية توثق معاملة تجارية، باعتبار أن ذلك يعدّ أمرا ضروريا في الوضع الاقتصادي الصعب الذي تمر به البلاد، وكذلك باعتبار أن سجن صاحب الشيك بدون رصيد لا يمكّن الدّائن المستفيد من استرجاع أمواله وأن سجن مصدّر الشيك بدون رصيد لا يمكنه من العمل على تسديد دينه ويصبح عبءا ثقيلا على الدولة.

وأضاف محدثنا أن جلسة الاستماع لأصحاب المبادرة التشريعية حول الشيك دون رصيد كانت بها ثلاثة توجهات. التوجه الرئيسي الأول يتعلق بالدفاع على هذه المبادرة والمضي في العفو التشريعي في مجال الشيك دون رصيد في انتظار وصول مشروع التنقيح الذي أعده رئيس الجمهورية إلى البرلمان. في المقابل هناك قراءة ثانية وهي قراءة نقدية تحليلية كانت مبنية على عدد من المنطلقات وعلى الأرقام والإحصائيات التي تهم المعنيين بإصدار الشيكات دون رصيد ومبالغها والمتضررين منها وعلاقة ذلك بالوضعيات الاجتماعية والاقتصادية للمدين والدائن.

وبالإضافة إلى هذين التوجهين بين محدثنا أن هناك توجّها آخر كان وليد جلسة الاستماع لأصحاب المبادرة، ويحمل وجهة نظر توفيقية بينها وبين مبادرة الرئيس. إذ اعتبر المجتمعون في جلسة الاستماع للنواب أصحاب المبادرة التشريعية انه على أهمية مبادرة زملائهم إلا انه لا يمكن اعتمادها كما وردت، وهي في حاجة للنقاش والتطوير وفي حاجة كذلك للمراجعة في علاقة بالاخلالات التي تضمنتها. ورأى أصحاب وجهة النظر الثالثة انه في الأثناء إذا توصل البرلمان بمبادرة رئيس الجمهورية فانه يتم اعتمادها مع إمكانية الاستئناس بما ورد في مبادرة النواب، خاصة انه لا يمكن الجمع بين مضمون المبادرتين لاختلاف فلسفتهما. إذ أن الأخيرة تذهب في اتجاه العفو على جميع المعنيين بجريمة إصدار الشيك دون رصيد وتحويل دينهم إلى دين مدني في حين أن مبادرة الرئيس تنص على التسويات وعلى سياقات للتسوية.

وبالتالي حسب النائب فانه دستوريا إذا ورد مشروع رئيس الجمهورية فانه ستكون له الأولوية وفي نفس الوقت لن يتم إهمال مبادرة النواب وسيتم الاشتغال عليها على قاعدة أنها لا يمكن أن تكون استثنائية ويجب أن توفر الضمانات الدنيا لحقوق الدائن والمدين واستبعاد جريمة التحيل. وعموما اعتبر محدثنا أن مشكل الشيك دون رصيد كمشكل مجتمعي أصبح يستوجب تسريع النظر في مشروع قانونه والمصادقة عليه، إذ على أهميته يجب أن يتم غلق هذا الملف والانتقال إلى النظر في ملفات وقضايا مجتمعية أكثر أهمية وإلحاحا في علاقة بالمعيش اليومي للتونسيين.

ومن هذا المنطلق كما أكد النائب ياسر قراري سيسعى البرلمان للمصادقة على قانون الشيك دون رصيد، مضيفا ان لجنة التشريع العام بصدد الترتيب لجلسة استماع لوزارة العدل الأسبوع القادم للنقاش حول هذا الملف انطلاقا من الوثيقة الموجودة لدى اللجنة ومتابعة ما قامت به الوزارة وتذكيرها بأنه من غير المعقول أن يكون مشروع القانون جاهزا ولا تتم إحالته على مجلس نواب الشعب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

في‭ ‬إطار‭ ‬التأكيد‭ ‬على‭ ‬دور‭ ‬الدولة‭ ‬الاجتماعي‭ ‬وحفاظا‭ ‬على‭ ‬التوازنات‭ ‬الاجتماعية: انطلاق‭ ‬تنفيذ‭ ‬حزمة‭ ‬من‭ ‬الإجراءات‭ ‬الرئاسية‭ ‬الاجتماعية‭ ‬لفائدة‭ ‬الفئات‭ ‬الهشة

صدر‭ ‬يومي‭ ‬9‭ ‬و10‭ ‬من‭ ‬شهر‭ ‬جويلية‭ ‬الجاري‭ ‬على‭ ‬التوالي‭ ‬الأمر‭ ‬المتعلق‭ ‬بضبط…