2024-05-15

الأساطير تتساقط في خريف الكيان الصهيوني : «طوفان الأقصى» يقلب المعادلات في الذكرى 76 لـ«النكبة»

تمر اليوم 15 ماي 2024 الذكرى 76 لـ«النكبة» تاريخ مخز ليس للعرب فقط وإنما للإنسانية التي زكّت في يوم من الأيام قيام أعتى نازية في العصر الحديث، وتغاضت عن جرائمها بل صار التطبيع مع الكيان الصهيوني الذي ظهر رسميا للوجود يوم 14 ماي 1948 بعد سنوات من العربدة والجرائم التي اقترفتها العصابات الصهيونية، صار العصا الغليظة للإدارة الأمريكية وامتيازا ومصدر «شرعية» لبعض الأنظمة.

وخلافا للعادة نحيي ذكرى «النكبة» هذا العام بطعم آخر ومعطيات جديدة لا علاقة لها بالماضي وليس من باب المغالاة التأكيد بأن زمن الهزائم قد ولّى وأن ملحمة طوفان الأقصى التي انطلقت في السابع من أكتوبر 2023 بدأت في التأسيس لمرحلة جديدة ولترتيبات جديدة على قاعدة المنجز الفلسطيني الملحمي الأسطوري الذي راكم صمود المقاومة الفلسطينية واللبنانية وانتصاراتها المتواترة منذ مطلع القرن.

في النكبة قبل سبعة عقود ونيف، نفذت العصابات الصهيونية عشرات المجازر وقُدّر عدد الشهداء آنذاك بحوالي عشرين ألفا تقريبا بين فلسطينيين وعرب وتم تهجير عشرات الآلاف وسرى الكيان الصهيوني كالسرطان في أكثر من ٪85 من مساحة فلسطين التاريخية، ومنذ ذلك التاريخ، بل قبله وبعده تواترت الجرائم الصهيونية والهزائم العربية.

وقد دفع الفلسطينيون باهظا ثمن المراهنة على العرب في استرجاع أرضهم السليبة وإقامة دولتهم المستقلة، لكنهم لم ييأسوا وواصلوا في توريث الإيمان بالمقاومة والتفاؤل بالنصر من جيل إلى جيل والتحمت معهم ساحات وطنية عربية وأممية واختلطت دماء الجميع على أرض الجبارين وفي دول الجوار وخاصة في لبنان العزة ومقاومته الباسلة ولم يثنهم ذلك عن التضحية والشهادة.

وبلغة الأرقام، فإن عدد شهداء ملحمة طوفان الأقصى إلى حد الآن والذين تجاوز الـ35 ألفا، هو الأرفع في تاريخ المعارك والحروب بين الفلسطينيين والكيان الصهيوني، وكذلك عدد الجرحى والمفقودين وحجم الدمار والأرض المحروقة، في كلمة هي إبادة بكل أركان الجريمة الثابتة الموثقة والمعروضة في المباشر أمام مرأى ومسمع العالم.

ولئن تواطأت الأنظمة في العالمين الغربي والعربي للأسف فإن زعماء كثرا في أمريكا اللاتينية وآسيا وإفريقيا كانوا في الموعد مع التاريخ وانحازوا للحق الفلسطيني ولشعوبهم وتنوعت المقاومة بين ما هو عسكري سواء في فلسطين أو في المنطقة، وما هو قانوني وقضائي كما فعلت دولة جنوب إفريقيا التي جرّت الكيان الصهيوني أمام محكمة العدل الدولية، وما هو سياسي كما تفعل كوبا وفنزويلا وغيرهما في الأمم المتحدة، وما هو إعلامي وثقافي مثلما تفعل الميادين ومبدعون أمميون عديدون..

كما امتلأت الساحات في العالم بالمساندين لفلسطين، وانتفض الطلبة في قلب أمريكا في الجامعات وامتدت الظاهرة إلى بقية العواصم الغربية أين صارت الكوفية والعلم الفلسطيني هوية إنسانية وتساقطت في المقابل الأساطير الصهيوينة بنسق أسرع مما كنا نعتقد ووجدنا أنفسنا أمام ما يمكن أن نسمّيه خريف الكيان الصهيوني، فلا حاضنة ديمقراطية الآن حقيقية لهذا الكيان ولا مصداقية له في الإعلام والسياسة والدبلوماسية والساحات والشوارع الشعبية بل أكثر من ذلك، كل الروايات وكل الدعاية التي اعتاد الكيان الصهيوني ورعاته من الأمريكان والأوروبيين تسويقها لتبرير الوجود وتبرير الجرائم أصبحت مكشوفة ولعل آخر هذه الأساطير والتي لن تكون الأخيرة أسطورة «جيش الدفاع المدني» الذي يقصف المدنيين ويستهدف المستشفيات والمدارس والمساجد والكنائس على حدّ سواء.. !

لقد تأسس الكيان الصهيوني على قاعدة الأساطير ونهل منها ليصمد عقودا أمام العالم وتمكّن في أوقات كثيرة من مغالطة الرأي العام الدولي وتقديم نفسه على كونه ضحية التاريخ الذي لم ينصفه منذ ظهور الديانة اليهودية إلى قيام النازية القرن الماضي وضحية الجغرافيا التي وضعته في قلب الأمة العربية، في أكثر منطقة حساسة و«ملغّمة» في العالم بحكم أنها تمثل مهد الأديان ومخزن الموارد الطبيعية ومطمع الدول العظمى وغيرها.

وبعيدا عن العنتريات التي غالط بها بعض «الزعماء» العرب وحتى بعض النخب وحتى بعض قادة فصائل المقاومة، نقول اليوم بكل موضوعية وواقعية وأمل بأن الكيان الصهيوني «أهون من بيت العنكبوت» فعلا وهو يلفظ أنفاسه وبأن رعاته وعلى رأسهم الإدارة الأمريكية لم تعد لها ثقة في إدارة قادة هذا الكيان للحرب على الفلسطينيين وكل الحروب المتوقعة في المنطقة لذلك نزل الأمريكان ساسة وعسكريين بكل ثقلهم لدعم آلة الحرب الصهيونية على الأرض وها هي البوارج الحربية والزيارات المكوكية للرئيس الأمريكي ووزير خارجيته ومسؤوليه العسكريين تظهر حجم الارتباك وحجم الصدمة التي أحدثها سقوط أسطورة الجيش الذي لا يقهر والجيش الذي ينتصر ولا ينكسر.

لقد حققت المقاومة الفلسطينية يوم 7 أكتوبر 2023 انجازا غير مسبوق وان ما بعد هذا التاريخ لن يكون كما قبله فما يقال انه أمن الكيان الصهيوني لم يعد مضمونا والمظلومية التي يتباكى بها هذا الكيان أسطورة لم تعد تنطلي على احد ويكفي هنا متابعة ردود الأفعال الشعبية والرسمية في مجلس الأمن الدولي وفي قصور الملوك والرؤساء وفي الكيانات المدنية والسياسية ومن خلال مقاطع الفيديو والتغريدات والتدوينات المنشورة في الفضاء الافتراضي.

ولعل رصاصة الرحمة أتت من الأمين العام للأمم المتحدة، الذي صدح بعد صمت طويل ومريب بالحق وبما يفرضه عليه موقعه على رأس المنظمة الأممية كمسؤول أول في العالم على حفظ السلم والأمن الدوليين وحماية حقوق الإنسان بالدعوة إلى وقف إطلاق نار فوري وهي دعوة أغضبت الكيان الصهيوني المتسلح بحق النقض الأمريكي والفرنسي والبريطاني في مجلس الأمن، بعبارة أخرى بأسطورة الحصانة الأممية!.

لقد سرّعت ملحمة طوفان الأقصى في نسق تساقط وتدمير الأساطير الصهيونية وبيان أن أزمة قيمية وأخلاقية تعصف بهذا الكيان وانه لم يعد قادرا على مجاراة شعور وسلوك المحيطين به فالجماهير العريضة ليس في فلسطين فقط وليس في الدول العربية أيضا وإنما في مشارق الأرض ومغاربها لفظت الكذب والبهتان وصناعة الموت.

هي المقاومة إذن بكل أشكالها ووسائلها القادرة وحدها على دحض ودحر ما تبقى من الأساطير المؤسسة للكيان الصهيوني واثبات حقيقة ان الحق الإنساني لا يسقط بالتقادم وان الدفاع عن هذا الحق ليس بالشعارات فقط رغم أهميتها في التعبئة والحشد ولكن بالفعل والمنجز في الميادين كلها عسكرية وسياسية وثقافية وحقوقية وإعلامية حتى النصر.

وبعيدا عن منطق إعطاء الدروس، فإن الفلسطينيين هم أكثر إدراكا من الجميع لأهمية وحدتهم الوطنية، ولضرورة رفع سقف التفاوض في أي عملية هدنة أو وقف لإطلاق النار أو تبادل الأسرى وإعادة الإعمار فالتضحيات جسيمة والعدو وشركاؤه ليسوا في وضع من يملي الشروط مع عدم الإفراط في التفاؤل بالقمة العربية القادمة بطبيعة الحال.   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

في الذكرى الأولى لملحمة طوفان الأقصى «7 أكتوبر..»: نصف الطريق إلى.. القدس عاصمة فلسطين

بكثير من الألم والحزن لفقدان آلاف الأشقاء، لكن أيضا بكثير من الاعتزاز والثقة والتفاؤل نحيي…