2024-05-11

تقتيل النساء – الظاهرة المسكوت عنها: تقرير يكشف حجم التراخي والإخلالات في تطبيق القانون

اختارت جمعية « أصوات نساء» و« جمعية» المرأة والمواطنة بالكاف» الذكرى الثالثة لمقتل رفقة الشارني الموافق للتاسع من شهر ماي لتقديم تقريرهما السنوي حول  تقتيل النساء بعنوان « تقتيل النساء، الظاهرة المسكوت عنها » وذلك وفاء لذكراها وتسليطا للضوء على الموجة المتتالية من الجرائم التي ذهبت ضحيتها العديد من النساء وبشكل بارز الزوجات وهو ما جعل هذا الفعل الاجرامي يرتقي إلى مستوى الظاهرة التي تستفحل شيئا فشيئا داخل المجتمع التونسي مما بات يتطلب تعاضدا مكثفا للجهود بين مختلف الاطراف واستجابة فاعلة من الجهات الرسمية  من أجل التصدي لها والعمل على منع حدوثها.

ويبرز التقرير أهمية جهود المنظمات النسوية في رصد وتوثيق هذه الجرائم ونشر الوعي حولها ودعم عائلات النساء القتيلات والنساء ضحايا العنف وتقديم الدعم النفسي والقانوني لهن ،مبينا أن قتل النساء في تونس ليس مشكلة محلية محصورة في منطقة دون أخرى، بل هي تشكل تحديا اجتماعيا ووطنيا إذ تشير الجرائم التي قامت بتوثيقها الجمعيتان أن سنة 2023 شهدت موجة مفزعة من جرائم قتل النساء بلغت 25 جريمة ووفقا للتوثيق الذي قام به فريق عمل جمعية أصوات نساء وجمعية المرأة والمواطنة بالكاف في تعداد الضحايا فإن 13 منهن قتلن على يد أزواجهن و3 على يد إبائهن و4 قتلن من قبل أقاربهن و5 قتلن من طرف مجهول وقتلت 7  منهن بنفس الطريقة اي بالطعن بآلات حادة في حين قتلت 3 منهن ذبحا و6  منهن خنقا و4  قتلن نتيجة الضرب على الرأس .

وفي تفسيرها لهذه الجرائم اوضحت فتحية السعيدي مختصة في علم الاجتماع أن هذا  التقرير يعد  مهما جدا من أجل رصد الظاهرة التي اعتبرتها امتدادا للعنف المبني على النوع الاجتماعي واقصاه هو القتل مبينة بأن الأسباب الرئيسية في بروز مثل هذه الوحشية والعدوانية هي التنشئة الاجتماعية المبنية على اساس التمييز بين الرجل والمرأة وعلى اساس تلك النظرة الدونية للنّساء وعدم التوازن في السلطة داخل الأسرة بين الجنسين .وبينت أن العلاقة « الحميمية » هي أكثر العلاقات التي تمارس من خلالها مختلف أشكال العنف وصولا إلى جريمة القتل، إذ يمثل الزوج الجاني بنسبة 52 بالمائة من مجموع مرتكبي العنف، يليه مجهول أوغريب بنسبة 20 بالمائة.

وأبرزت المكلفة ببرنامج مناهضة العنف وتقتيل النساء بجمعية « أصوات نساء» هيفاء الزغواني، أن هذا التقرير الذي جاء في إطار تظاهرة « المعرفة النسوية » التي أطلقتها الجمعية مؤخرا يقدم إحصائيات توثيقية عن ظاهرة تقتيل النساء خلال سنة 2023 حسب ما تم الإفصاح عنه من قبل وسائل الإعلام التونسية ووسائل التواصل الاجتماعي.

ومن جانبها  حمّلت المديرة التنفيذية لجمعية أصوات نساء، سارة بن سعيد، في مداخلاتها اثناء عرض التقرير المسؤولية  إلى الدولة التونسيّة، معتبرة أنّها «متورّطة في عدم حماية النساء من العنف، خاصّة اللواتي سبق أن توجّهن إليها وطلبن الحماية لكنّهن لم يجدن آذانا صاغية مبينة بأنّ الفضاء الخاص الذي من المفترض أنّه الأكثر أمانا، أصبح مسرحا لجرائم تقتيل النساء بطرق بشعة (الذبح، الطعن..) مما بات  يتطلب على حد قولها وفي ظل غياب الإحصائيات الرسمية  على وزاراتيْ العدل والداخلية إدراج جريمة قتل النساء في نظامها الإحصائي، مشيرة في هذا السياق إلى أنّ وزارة المرأة أنجزت تقريرا للغرض بخصوص الفترة الممتدة من جانفي إلى أفريل، إلاّ أنّه لم يُنشر إلى حدّ اليوم.

وتعكس حالات العنف بشكل عام في بعدها الاجتماعي وفق التقرير تفشي العنف الجنسي وثقافة السيطرة والتفوق التي  يمارسها الرجال في المجتمعات الأبوية الذكورية وتعكس ترسخ التمييز الجنسي وانعدام المساواة بين الجنسين واعتبار النساء ملكية خاصة يمكن التصرف فيهن وفي اجسادهن وفقا لرغبات الرجال دون احترام حقوقهن وكرامتهن: كذلك يشير التقرير إلى تأثر ظاهرة قتل النساء بعوامل اجتماعية متعددة منها الفقر والمستوى التعليمي والثقافي والقوانين والتقاليد وهي ترتبط دائما بمنسوب العنف الأسري وبقضايا الشرف والسيطرة الرجالية على النساء.

وللتصدي لهذه الظاهرة أوصى التقرير بعدم الاستهانة بالعنف ومكافحة تبريره أو التسامح معه وتعزيز التعاون بين الدولة والمجتمع المدني والسعي لتوفير خدمة ناجعة وفورية في مجال التعهد والحماية لضحايا العنف المبني على النوع الاجتماعي وتوفير الدعم وتيسير الحصول على الإعانة العدلية وتنظيم حملات توعوية واسعة النطاق للتعريف بجريمة قتل النساء وخصوصياتها وتسليط الضوء على آثار العنف على الفرد وعلى المجتمع وتطوير المضامين التعليمية والطرق البيداغوجية ونشر ثقافة اللاعنف والمساواة بين الجنسين في المدارس والمعاهد والجامعات.

كما أجمع المشاركون في إنجاز هذا التقرير على وجود تراخ من الدولة واخلالات وغياب استراتيجية واضحة في تطبيق آليات الحماية التي ينص عليها القانون عدد 58 المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة، وأكدوا وجوب تطبيق ما جاء في هذا القانون الذي ينص في عدد من الأبواب الخاصة على الوقاية والحماية والتجريم والتعهد بالنساء ضحايا العنف وتوفير الخدمات اللازمة لهن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

القطاع الفلاحي من الحشرة القرمزية إلى ذباب الزيتون …أي مصير قادم..؟

يعتبر القطاع الفلاحي قطاعا استراتيجيّا وحيويّا، لا في تونس فقط، بل في العالم ككلّ، إذ أنّ …