2024-05-09

المعهد التونسي للقدرة التنافسية والدراسات الكمية : حجم المديونية الحالية هو ضعف ما كان عليه سنة 2010

أكد تقرير صدر مؤخرا عن المعهد التونسي للقدرة التنافسية والدراسات الكمية التابع لوزارة الاقتصاد والتخطيط بعنوان “استدامة الدين العمومي في تونس: التحديات والديناميكيات” ان حجم الديون التونسية المستحقة سنة 2023 بلغ قرابة 127.2 مليار دينار أي ما يقابل 80.2 % من الناتج المحلي الإجمالي وهو ضعف ما كان عليه سنة 2010 التي كانت في حدود 43 % فقط (64 % من الديون القائمة تمثل الدين الخارجي). وحسب ذات البيانات فقد ارتفعت حصة الفرد من الدين من 2,43 ألف دينار سنة 2010 إلى 10,3 ألف دينار سنة 2023  أي بمعدل نمو إجمالي يبلغ نحو 330 %, ولا يزال الدين العمومي يهيمن عليه الدين الخارجي الذي يشكل في المتوسط 64% من قائم الدين بين سنوات 2011 و2023.

ولئن تراجعت نسبة الدين العمومي من الناتج المحلي الإجمالي بنسبة ضعيفة مقارنة بالتقديرات التي وضعت في قانون المالية التكميلي بسبب تحسن المداخيل الجبائية والتصدي للتهرب الضريبي والتحكم في النفقات العمومية وترشيدها خاصة نفقات الأجور إلا انها تبقى أرقاما مرتفعة وخطرة ترتفع معها احتمالية التشكيك في القدرة على سدادها خاصة في ظل تسجيل نسبة نمو ضعيفة من جهة واستخدام هذه القروض لسد ثغرة الميزانية الخاصة بتسديد الدين عوض دعم التنمية.

وفي حقيقة الأمر لا يعد هذا الإجراء استثناء لان تمويل الميزانية بقروض من اجل خلاص ديون أصبح «خطة اقتصادية» تعودت عليها الحكومات خلال العشرية الماضية بسبب ارتفاع نسبة عجز هذه الأخيرة (الميزانية) جراء ارتفاع حجم مصاريف التسيير وخاصة كتلة الأجور التي ارتفعت من 10.4 % سنة 2010 إلى 14 % من الناتج المحلي الإجمالي سنة 2023 وكذلك بسبب ارتفاع حجم مصاريف التدخلات الأخرى من 4 % من الناتج المحلي الإجمالي الى أكثر من 10 % سنة 2023.

وفي ظل تعطل التنمية الاقتصادية طيلة السنوات الأخيرة وتقلص مردودية القطاعات الحساسة, تم اللجوء الى التداين سواء الداخلي أو الخارجي لمواجهة هذه الزيادات الكبيرة. ومن اجل ذلك ارتفع حجم مديونية تونس من 25.6 مليار دينار سنة 2010 بنسبة 39 % من الناتج الإجمالي إلى 127.2 مليار دينار سنة 2023 ونسبة 80.2 % من الناتج المحلي الإجمالي…ومن اجل ذلك ارتفعت نسبة الدين لكل مواطن تونسي من 2430 دينار سنة 2010 إلى 10300 دينار سنة 2023 أي بنسبة زيادة 330 %.

ودائما وفق ذات المصدر, تمثل القروض الخارجية نسبة 64 % من مجموع القروض المستحقة رغم أنه ومنذ سنة 2021  عمدت الحكومة الى التعويل على سياسة الاقتراض الدّاخلي بسبب الحصول على قروض خارجية بديلة تعوض موارد صندوق النقد الدولي.

ولان الهدف من الحصول على هذه الموارد المالية لم يعد تحفيز النمو الاقتصادي ودعمه من اجل  استمرار النشاط الاقتصادي وعملية التنمية وخلق الثروة  فقد باتت جدوى هذه القروض» غير مجدية» بحكم انها ترفع في قيمة التداين بعنوان «دعم الميزانية» وفي المقابل تخل بدورها في دعم التنمية وتعطل النمو الاقتصادية, كما انها تثقل كاهل الميزانية بقروض «مكلفة وغير منتجة» .

كل هذه المعطيات والمخاوف تطرق إليها تقرير المعهد التونسي للقدرة التنافسية والدراسات الكمية، الذي أكد ان «تخصيص الدين لتمويل عوامل النمو وخلق الثروات هو وحده القادر على ضمان استدامة الدين العمومي» مشيرا الى ان تعزيز وضع المالية العمومية وضمان استدامة الدين العمومي على المدى الطويل، «يتطلب تحسين مناخ الأعمال لإنعاش الاستثمار ومحاربة الاقتصاد الموازي والشروع في هيكلة الاقتصاد الوطني».

والمتابع للوضع الاقتصادي يدرك ان المطالب التي جاءت في هذا التقرير هي ذات المطالب الى ينادي بها البعض من اساتذة الاقتصاد فهي أيضا ذات المطالب التي أقرتها بعض المؤسسات العالمية المانحة.

ففي سنة 2021 شدد مثلا صندوق النقد الدولي على ضرورة تنفيذ إصلاحات واسعة النطاق للمؤسسات العمومية ومراجعة كتلتي الدعم والأجور مطالبا بضرورة اعتماد سياسة إصلاحية للحد من عجز المالية العمومية. هذا ونبه الصندوق من خطر ارتفاع مؤشر المديونية «الذي قد يبلغ مستوى «خطير» ما لم يُعتمَد برنامج قوي وموثوق للإصلاح يحظى بتأييد واسع النطاق».

واستنادا لكل هذه التحاليل, يبدوا حقا ان سياسة التداين من اجل خلاص الديون, سياسة مضرة بالاقتصاد لأنها لا تخدم مصلحته بقدر ما تكبله وتزيد في هشاشة قطاعاته الحساسة ونخص بالذكر الاستثمار هذا القطاع القادر على خلق الثروة, توفير فرص التشغيل, الترفيع في مخزون العملة الصعبة وأيضا دعم التنمية الجهوية الأمر الذي يتطلبه الاقتصاد الوطني في هذه الفترة من اجل استعادة انتعاشته وتحقيق نسب نمو من شانها ان تواجه كل الصعوبات وتتجاوزها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

البنك الدولي: تحسن الاقتصاد التونسي يستوجب تطوير الاستثمار في مجال الطاقات المتجددة

«تأثر تعافي الاقتصاد التونسي سنة 2023 بالجفاف الشديد، وظروف التمويل الضيقة والوتيرة المحدو…