2024-05-01

من مقتنيات معرض تونس الدّولي للكتاب – «البداهات الزّائفة في الفكر الإسلامي» للمفكّر التونسي «عبد المجيد الشرفي»: رؤى جريئة عن «الحجاب» و«التقويم الهجري» و«إسلام الدّولة»

يتميّز المؤلّف الجديد “البداهات الزّائفة في الفكر الإسلامي” للمفكّر التونسي”عبد المجيد الشرفي” في طبعته المنشورة بين دار “محمد علي الحامي” و”الانتشار العربي”( 2023/2024) بكثير من عناصر الطّرافة والجدّة والإثارة. وتبرز الطّرافة في كونه يتجه مباشرة وبكثير من الجرأة المعرفية البعيدة تماما عن الإثارة السطحية إلى أكثر القضايا التي يظنّ الوعي الدّيني الجمعي أنّها بداهة ليبيّن انطلاقا من معرفته وحججه التي عمّقها على مدى حقب أنّها مجرّد اجتهادات وضعها بشر مثلنا في سياقات تاريخية وحضارية وابستمية مختلفة عن عصرنا تماما. وأمّا الجدّة فتظهر في تناوله لبعض القضايا التي يحسب الكثيرون أنّها أشبعت بحثا ليضيف من خبرته المعرفية أفكارا وملاحظات وآراء على غاية من القوّة والفصاحة والوضوح المنهجي والصرامة الفكرية.

في المقالة الأولى “في البسملة” يبيّن “عبد المجيد الشرفي” أن استخدامها في افتتاح أي قول غير القول الإلهي هو من قبيل العادة الاجتماعية ويحذّر من الآثار الخطيرة من استخدامها لإضفاء عناصر القداسة على أقوال وخطب وآراء لبشر في سياقات يومية وأذكر له لمّا كنت من طلبته في شهادة التبريز أنّه استوقف طالبا بدأ في قراءة احدى الآيات ب”قال الله تعالى” ليقول له ولنا خلال حصّة كاملة أن في الأمر خلاف وجدل “كلامي” كبير فاستخدام عبارة قال الله تعني أنّ الله يتكلّم وأنّ القرآن كلام الله وهي مسائل خلافية داخل الفرق الاسلامية خصوصا في فترة ازدهار علم الكلام واسترسل في طرح وجهات النظر والآراء التي كانت سائدة في القرن الثاني للهجرة وأسئلة المسلمين عن القول الإلهي هل هو باللّفظ والمعنى أم بالمعنى فقط وهل هو مخلوق أم أبدي وهل يتناسب التنزيه مع نسبة القول البشري للذات الإلهية وغير ذلك مما يطول القول فيه.

في فضح “التلفيق” و”الترميق”

ويبيّن في مقالات “كلّ ما نزل بمسلم ففيه حكم لازم” و”أحكام القرآن”و”في الاجماع” و”المعلوم من الدّين بالضرورة” و”في قطعية الدّلالة” وفي الإسلام دين الدّولة” أنّنا أمام منظومة تشريعية  تكاملت عناصرها للاستجابة لحاجة المسلمين التّاريخية لتنظيم حياتهم في مختلف وجوهها سواء على صعيد الأحوال الشخصية أو نظم الحكم أو الإدارة أو استصدار الأحكام والفتاوى ويشرح بصرامة العالم أنّ هذه المنظومة لم تعد منذ أكثر من قرنين من الزمان قادرة على الاستمرار في هذا العصر وأنّ كلّ محاولات إحيائها وفرضها على النّاس هي من قبيل التعسّف والتجديف ضدّ تيار العصر والحداثة ولذلك فشلت وآدت في معظم التجارب السلفية إلى نتائج سلبية ومروّعة كانت التكفير والقتل الجماعي والاغتيالات التي قادتها تنظيمات أصولية متطرّفة أحد وجوهها الأكثر فصاحة عن خللها المرضي ووضعها الترّاجيدي.

ومن الأفكار الدّالة على ما يصطلح عليه “عبد المجيد الشرفي” ب”الترميق” في محاولة إعطاء بعد معاصر لظاهر قديمة قصّة الدّفاع عن الحجاب بحجّة أنّه يندرج في إطار الحرية الشخصية إذ يبيّن”الشرفي” فضلا عن كون الحرية الشخصية هي قيمة حديثة مرتبطة بمنظومة فكرية كاملة قائمة على الحرية وعدم التمييز بين المرأة والرّجل والمواطنة فإن القول بأنّه حرية شخصية يخفي حقيقة أنّ المرأة التي تضع الحجاب أنّما تخضع أو تستسلم بإرادتها لوجهة نظر محافظة قديمة تجزم بضرورة أن تخفي المرأة جسدها باستثناء وجهها وكفّيها. وتبدو لنا هذه الحجّة قوية لأنّه من العبث والعدمية أيضا أن نقول أن قبول العبودية الحرّ هو من قبيل الحرية الشخصية أيضا. ويظهر الشّرفي الكثير من الصبر والحرص على مراعاة مشاعر المسلمين حين يجتهد في توضيح أنّ مسألة فرض الحجاب إنما هي مجرّد اجتهاد لا نصّ واضح فيه كما هو الحال بالنسبة لمسائل أخرى مثل تعدّد الزوجات وتحريم الخمر وغير ذلك. ويفعل “الشرفي” ذلك لأنّه يخاطب في مؤلّف منشور للعموم دائرة كبيرة من القرّاء ومن المهم أن يقنعهم بالتفكير حتّى من داخل منظومتهم ومعتقداتهم  التي لا يرى فيها “الشرفي” جوهريا سوى دعوات للخير والتسامي الرّوحي الذي لا خطر فيه على الناس طالما لم يستخدم إيديولوجيا وسياسيا.

وفي مقالة حول “التقويم الهجري” لا يتردّد “الشرفي” الذي عوّدنا بجرأته الصارمة والمتسلّحة دائما بالحجج العقلية في القول بضرورة مراجعة التقويم الهجري القمري فيكتب في الصفحة 86 من المؤلّف:”وأنّ التخلّي عنه(أي التقويم الهجري القمري) لفائدة تقويم أنجع لا يعني البتّة تنكّرا لهذه الهوية بقدر ما هو تطوير لها بحسب مقتضيات العصر وحتّى لمقتضيات المنطق البسيط الذي لا يصحّ بمقتضاه أن يكون شهرا ربيع الأوّل وربيع الثاني في غير فصل الرّبيع”.

على سبيل الخاتمة

لا نريد في هذا العرض أن نحرم القارئ متعة وفائدة التعمّق في تفاصيل ومعطيات هذه المقالات الثرية وهي ليست بعيدة في روحها ومنهجها وهدفها عمّا كتبه الشرفي ونشره في مؤلّفاته” الإسلام والحداثة” و”لبنات” بأجزائه الثلاثة والإسلام بين الرّسالة والتّاريخ ومرجعيات الإسلام السياسي. فهو أي “الشرفي” يؤسّس مع كوكبة أخرى من المفكّرين  لقراءة تاريخية للثقافة العربية الاسلامية وللفكر الإسلامي تأخذ بكل ما هو متاح من علوم ومناهج حديثة وهي قراءة تسمح لنا بأن ننظر لها في سياقها وأن نتفهم منطقها وحججها وحدودها خاصّة بصورة تجعلنا نعيش عصرنا وحداثتنا بدون تشنّج بل تعطينا قدرات كبيرة على الإقامة في عصرنا براحة وهدوء وتسمح لنا بأن نميّز كما ذكر الطاهر الحدّاد مرّة بين ما جاء به الإسلام وما جاء من أجله وأن نفهم الختم والخلافة بالرّوح العظيمة التي أنشأها “محمد إقبال” وهي منهجية تجعلنا بعيدين عن طرق الإثارة والتجّني والإسفاف والنزعات العدوانية المتوتّرة التي تمارسها بعض الجهات لأجل جعل المسلم يحقّر من تاريخه وثقافته ودينه كما تحمينا وتسلّحنا بعدّة منهجية توفّر لنا آليات فضح أشكال التوفيق والترميق والتزييف التي تمارسها حركات الإسلام السياسي في محاولات فاشلة لإضفاء شرعية على وجودها وطموحاتها في الحكم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

رئيس الجمعية الدولية للمسلمين القرآنيين الدكتور«توفيق بن عامر» في حديث لــ الصحافة اليوم: التصوّف هو روح كلّ دين وهو إطار لحلّ مشاكلنا  العقائدية وحتّى السياسية

كان موضوع أطروحة الدكتوراه للأستاذ«توفيق بن عامر» سنة 1986 حول «الرقّ في الحضارة العربيّة …