2024-05-01

أرهقتها سنوات الجفاف والسياسات المضطربة وغياب الاستراتيجيات : من أجل فلاحة وطنية متطورة وقادرة على الصمود

دائما ما يتزامن الحديث عن الفلاحة والوضع الزراعي والانتاج، مع عودة مواسم الجفاف، وخاصة ندرة بعض المواد وغلاء أخرى، ومع تعثّر سلة الغذاء وتوالي مواسم النقص. وهو أمر طبيعي، فالحاجة للشيء هي التي تؤدي للبحث عنه، لكن معضلة الفلاحة في تونس أنها لم تغب عنا يوما كي نبحث عنها، بل هي معنا منذ ملايين السنين، وبلدنا “مطمورة روما” يعتاش على الفلاحة منذ وطأته قدم الانسان الاول، وسيظل على نفس المنوال تقريبا الى ان يرث الله الارض ومن عليها.

وبالتالي فان هبّة الخبراء الان للتنظير في الفلاحة وفي الطرق اللازم اتباعها للخروج من الازمة، لا  يعدو ان يكون حديث مجالس، لا يغني ولا يسمن من جوع، ولا يصبّ مطرا ولا يوقف جفافا.

ليس الامر حكرا على تونس، بل ان كثيرا من دول العالم باتت تستشعر الخطر القادم، خطر الجوع وانعدام الزراعات وقلة الانتاج وذهاب الكثير مما كان يسمى بالمحيط او البيئة الخضراء التي تعطي الحياة للعالم منذ أن وُجد.

لكن كثيرا من هذه الدول تتحسّب للخطر القادم وتخطط على مدى السنين القادمة، وترسم استراتيجيات وتستدعي كل الطاقات الممكنة للانقاذ، وتحاول تسخير كل الامكانات لتفادي هذا الخطر، ولتفادي الاسوأ، وهو الموت جوعا.

في هذا الصدد تبدو تونس في خضمّ الازمة، خاصة مع التراجع الكبير في التساقطات، والخشية أيضا من سنة أخرى بلا حبوب، والخوف من تكرار ما حصل السنة الفارطة من ضغط على الفلاحين حتى لا يزرعوا الخضر والغلال التي تتطلب سقيا.

هذا الامر دفع هياكل الفلاحة والمعنيين بالشأن الزراعي الى التحرك على جميع الواجهات من أجل الحفاظ على الحد الادنى من الموسم، حيث دعا الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري إلى “إحداث مجلس أعلى للسيادة الغذائية تحت إشراف رئاسة الجمهورية ليصبح الإطار الاستراتيجي لاتخاذ قرارات جريئة وثورية تفتح الطريق أمام ارساء فلاحة وطنية متطورة وقادرة على المنافسة والصمود أمام التغيرات المناخية والتحولات العالمية”.

الاتحاد قال ايضا في بيان اجتماع مكتبه التنفيذي “أن 85 بالمائة من الناشطين في القطاع هم من صغار الفلاحين الذين لا يملكون القدرة على الصمود أمام الأزمات المناخية والاقتصادية، مما “يستوجب إقرار استراتيجية وطنية وعاجلة لإنقاذ الفلاحة الصغرى التي تم التعامل معها على امتداد العقود الماضية كحالة اجتماعية”.

واذا كانت هياكل الفلاحة، وهي العليمة بكل دواخلها، تقر بأن هناك أزمة كبيرة وخطيرة في القطاع الفلاحي، فان على الدولة ان تعلن الاجراءات الطارئة التي يجب اتخاذها في هذا المجال، لان مسالة الامن الغذائي مسألة أمن قومي لا يمكن التهاون فيها ابدا، ووضع الفلاحة يبدو في “خطر محدق” ووجب التعاطي معه من هذه الناحية، أي توفير كل الامكانيات الموجودة والتي يمكن توفيرها ايضا بشتى الطرق، ووضع كل الامكانات التي تتوفر للدولة على ذمة القطاع، حتى يتجاوز الوضع الحرج، وتسخير كل الطاقات البشرية والموارد المالية الممكنة لاعادة ماكينة الانتاج الفلاحي الى سالف نشاطها وقوتها وقدراتها، وايجاد البدائل الحقيقية للانقاذ.

قد تكون دعوة اتحاد الفلاحين متأخرة، وقد تكون محل نظر من حيث بعض شعارات “المزايدة” التي يتقن الجميع إلقاءها في المواسم الجافة، لكنها أيضا قد تكون مساهمة في الانقاذ، وقد تكون خطوة على طريق الوعي بخطر ما تعيشه بلادنا من أزمة فلاحة وخطر جوع، وحرب حياة أو موت.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

لا بد من الرهان على الحزم الاداري والردع القانوني: الوعي المواطني وحده لا يكفي لحماية البيئة والمحيط

عادة ما يتداول التونسيون في موسم الاصطياف خصوصا، صورا ومشاهد وفيديوهات لمجموعات شبابية او …