يتدارسه الملتقى العلمي الدولي لمعهد الصحافة وعلوم الإخبار: واقع بديل يتشكل بانعدام اليقين والثوابت الإعلامية
اختتمت اول أمس الجمعة فعاليات الملتقى العلمي الدولي الذي نظمه معهد الصحافة وعلوم الإخبار من 25 إلى 26 أفريل، ويعد هذا الملتقى الأول من نوعه في تونس وفي العالم العربي الذي يتناول موضوع إعلام ما بعد الحقيقة الذي يتميز أساسا بهذا الاضطراب والفوضى المعلوماتية التي يعيشها العالم الآن والتي كان لها الأثر الكبير في تهميش الحقيقة كقيمة أساسية في تشكيل الرأي العام.
الملتقى العلمي يحمل عنوان «إعلام ما بعد الحقيقة: ممارسة المهن الإعلامية في زمن الاضطراب المعلوماتي» وهو من العناوين الشائكة خاصة في علاقته بمستقبل الممارسات الإعلامية في ظل التحولات الكبيرة التي يشهدها المجال ويشارك في فعالياته 38 باحثا وباحثة بورقات علمية من جامعات أجنبية في الجزائر، سلطنة عمان، المغرب، فلسطين، العراق، المملكة العربية السعودية، الكامرون، السينغال، مصر، فرنسا، الكوت ديفوار، بورندي والولايات المتحدة الأمريكية إلى جانب الطلبة وعدد من الباحثين في اختصاصات ذات علاقة بالموضوع من تونس.
وينسق هذا الملتقى العلمي الدكتور حبيب بن بلقاسم أستاذ بمعهد الصحافة وعلوم الإخبار الذي أكد أن هذا الملتقى يغطي خمسة محاور كبرى تسعى في مجملها لفهم هذا الحقل المعرفي الشائك ومتعدد المقاربات إذ يتناول المحور الأول: إعلام ما بعد الحقيقة ، المنطلقات النظرية والسياقات السياسية والاجتماعية والمحور الثاني حول دور تطور تكنولوجيات الاتصال والميديا الاجتماعية في تشكل « إعلام ما بعد الحقيقة» ثم المحور الثالث: دور الخطاب السياسي في تهميش الحقيقة كقيمة أساسية في تشكيل الرأي العام فالمحور الرابع: أثر الاضطراب المعلوماتي على الممارسات المهنية للصحفيين وأخيرا المحور الخامس بشأن تساؤلات حول إمكانية أن تكون صحافة التحري حلا للحد من ظاهرة الفوضى المعلوماتية ؟.
وتكمن أهمية هذا الملتقى وفق اللجنة العلمية في أن «إعلام ما بعد الحقيقة» الذي نعايشه اليوم ونعاني بحدة من إرهاصاته وفق منظمي الملتقى، يمارس تشويشا مكثفا على عقل الفرد والعقل الجمعي على السواء بفعل التدفق الهائل والمستمر بلا انقطاع للمعلومات والأخبار والصور والفيديوهات التي يصعب فرزها وتمييز المزيف منها عن الصادق، نظرا للطرق والتقنيات المبتكرة التي تصاغ بها ، والآليات والمسالك السريعة التي تتبع في نشرها ، سيما في مواقع التواصل الاجتماعي التي أضحت بيئة خصبة لصناعة مثل هذه المعلومات والأخبار.
إذ من هذا المنطلق فإن «إعلام ما بعد الحقيقة أصبح يعبر اليوم وأكثر من أي وقت مضى عن الأزمة التي نعيشها وهي أزمة عمادها تراجع دور الحقيقة، وانتشار الإشاعات والكذب والتضليل وسيطرة الخطابات الشعبوية ووعود رجال السياسة المرتكزة على تأجيج العواطف والمخاوف لدي الجماهير، والاتصال الدائم للأفراد بالإنترنات، والانخراط الكامل في وسائل التواصل الاجتماعي وتراجع القدرة التحليلية والإدراكية على التعامل النقدي مع المعلومات بسبب الاعتماد الكامل على المجال الافتراضي والاستسلام لتكنولوجيا المعلومات.
وتتعالى اليوم أصوات عديد الخبراء في مجال الإعلام في ظل الضبابية بين الممارسات الإعلامية والتكنولوجيا خاصة للتحذير من سطوة التكنولوجيا التي تسببت في أضرار جسيمة ناجمة عن انتشار الأخبار الكاذبة والتضليل والدعاية، مما يفرض على الإعلاميين تحدياً مهماً في ممارساتهم المهنية والأخلاقية وسعيهم لتحقيق التوازن بين الالتزام بتوفير أقصى قدر من حرية التعبير مع الحفاظ على جودة المحتوى.
اللجنة العلمية للملتقى وقفت على تضاعف استخدام مصطلح «ما بعد الحقيقة» «Post – Truth» سنة 2016 بنسبة ٪2000 مقارنة بسنة 2015 واكتسب المصطلح زخماً كبيرا لحدثين مهمين وقعا في السنة نفسها وهما انتخاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وتصويت البريطانيين لمصلحة الانفصال عن الاتحاد الأوروبي. وقامت المؤسسة التي تصدر قاموس أكسفورد باختيار هذا المصطلح ضمن الكلمات الأكثر تأثيراً في تلك الفترة وتناولت عديد الكتب والبحوث من زوايا نظر مختلفة ومقاربات متعددة هذا الموضوع كحقل معرفي يستحق الاهتمام والتحليل ويقصد بمفهوم «إعلام ما بعد الحقيقة» السياقات التي تكون خلالها الحقائق أقل تأثيرا في تشكيل آراء الناس من الإدعاءات غير الدقيقة التي تركز على المشاعر والقناعات الشخصية.
وعلى الرغم من أن تاريخ البشرية لم يخل في أي وقت من التدافع بين الحقائق والأكاذيب، فإن السنوات الأخيرة قد شهدت توافق رأي بين النخب الإعلامية والسياسية والفكرية حول وجود إشكاليات هيكلية عميقة في علاقة الأفراد بالحقيقة إنتاجا واستهلاكا.
وقد أدى هذا التغير الهيكلي في علاقة الأفراد بالحقيقة إلى تشكل واقع بديل يتسم بالنسبية، وانعدام اليقين، وتآكل الثوابت، وتواري الحقائق خلف ركام هائل من الأكاذيب والمعلومات المضللة والانحيازات الشخصية، والجدل غير البناء .
في هذا الصدد كشفت إحدى الدراسات المتخصصة أن الأخبار الحقيقية تتطلب، في المتوسط، مقدارا من الوقت يناهز ستة أضعاف الوقت الذي تستغرقه الأخبار الزائفة لتصل إلى 1500 شخص، وهو فارق كبير جدا يعطينا لمحة عن سرعة الانتشار المذهلة للأخبار الزائفة .
تحديات معاصرة تطرح بشدة
المنسق العلمي للملتقى الدكتور حبيب بن بلقاسم أكد أنه لا بد من التنقل والبحث في إشكاليات راهنة في قطاع الإعلام لقيمتها وللخطورة التي تكتسيها في هذا الظرف الزمني المحلي والعالمي إذ أنها تحديات إيجابية وأخرى سلبية يتوجب دراستها للوصول إلى نتائج قد تؤدي إلى تنمية المجتمع خاصة في ظل التحول الرقمي والتكنولوجي المتنامي .
كما تطرق بن بلقاسم إلى أن الملتقى يتدارس في نفس الوقت الممارسات المهنية بالتزامن مع التمحيص في المقاربات والسياقات النظرية والسياسية والاتصالية للخروج بنقاش مثمر لما يطرحه من اشكاليات وتحديات أي أن هناك إجماع بوجود أزمة اعلامية واتصالية في تونس وفي العالم لم يشهدها أي زمن سابق بسبب ممارسات التضليل والفوضى في المضمون والرسالة ما أدى إلى إنهيار الإعلام والمنظومة ككل وذلك بظهور فاعلين جدد من خارج الإعلام التقليدي ، ولا يتقيدون بمبادئ المهنة الصحفية أولا ثم ظهور الميديا الاجتماعية والوسائط الجديدة التي أصبحت أكثر قراءة ومشاهدة واستماعا من الصحافة التقليدية .
وتطرق الدكتور بن بلقاسم إلى أن جمهور هذه الوسائط فيه من الغرابة بمكان أن يتم تصديقهم لكل ما يتم بثه اليوم تحت التلاعب بالبيئة المعلوماتية وباعتماد الحشد والتجييش والتضليل والكذب واعتماد المشاعر في الخطابات السياسية.
دور الشركات الأهلية في تطوير السياحة الإيكولوجية : مشاريع تنتظر التفعيل في حال توفير الدعم والتسهيلات الضرورية
تمثل السياحة الإيكولوجية نموذجًا مستدامًا يتماشى مع أهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية و…