لا بد من توافر كل الجهود لإنقاذ الموسم : الحبوب المطرية في حالة صعبة لكنّها قابلة للتدارك
لم تدم فرحة الفلاحين كثيرا بالتساقطات التي انهمرت خلال شهر فيفري الفارط، لانها سرعان ما عادت الى مناخ شبه جاف، وانحبست تقريبا الامطار، ما عدا بعض الغيث الذي لا يكفي وحده لانقاذ الموسم الفلاحي، ما لم ترو الارض من جديد قبل نهاية أفريل الحالي.
التقديرات حسب الجهات تقول ان هناك نوعا من الامل في انقاذ نصف الموسم تقريبا في أغلب الجهات، فجندوبة مثلا، المنتج الاول للحبوب، يراهن فلاحوها على استجابة السلطات لمطلب السقاية لخمسة عشر يوما القادمة دون انقطاع، حتى يتمكن الفلاح من انقاذ الموسم بالحبوب المروية اصطناعيا، من مياه السدود، في حين تمكن فلاحو الكاف من تحصيل اتفاق مع المندوبية الجهوية للفلاحة هناك على فترة ريّ تكميلية لانقاذ مزارع القمح المروية، بعد ان يئسوا تقريبا من مساحات القمح المطرية، التي جفّت تقريبا كلها نتيجة موجة الحرارة التي ضربت الجهة في النصف الاول من شهر افريل الحالي.
نفس الأمر بالنسبة إلى ولاية باجة، التي يمكن القول انها تقريبا مع ولايتي سليانة ونابل قد تمكنت من إنقاذ موسم الزراعات الكبرى، وان كان ناقصا نوعا ما ولم يكتمل ارتواؤه، لكنه قادر على إعطاء صابة ولو بالحد الأدنى، في حين تحاول ولاية زغوان تفادي ضياع نصف الصابة على الأقل إذا لم ينزل الغيث النافع خلال الايام القليلة القادمة.
وقد أثّر انحباس الأمطار وارتفاع درجات الحرارة خلال شهر مارس المنقضي والنصف الأول من شهر أفريل الجاري على مساحات الحبوب المطرية بولاية زغوان، بتسجيل اصفرار وتيبس في الجهاز الخضري للنباتات ونقص في النمو نتيجة الإجهاد المائي، وفق مصالح المندوبية الجهوية للتنمية الفلاحيّة.
وفي هذا الصدد، كشف المندوب الجهوي للفلاحة، فيصل قطعة، في تصريح اعلامي “أن 40 بالمائة من جملة 60 ألفا و320 هكتارا من مساحات الحبوب المطرية في حالة متوسطة، و50 بالمائة في حالة صعبة لكنها قابلة للتدارك في حال نزول الأمطار في الأيام القريبة القادمة، فيما تم إتلاف 10 بالمائة من هذه المساحات لعدم قدرتها على الإنتاج، وقد تم استغلالها للمرعى أو تحويلها إلى أعلاف خضراء.
في المقابل، أكد المصدر ذاته أن 85 بالمائة من مجموع 1400 هكتار من الحبوب المروية في حالة جيدة، و15 بالمائة في حالة متوسطة،موضّحا أن أغلب هذه الزراعات متمركزة بمعتمدية الناظور وبنسبة أقل بمعتمديتي صواف والفحص”.
وهو تقريبا ما ينطبق على كامل ولايات الجمهورية، ويعني ذلك ان تونس ستعيش للعام الثالث على التوالي سنة جفاف بالنسبة للحبوب، وهذا مايرفع التحديات مرة أخرى أمام السلطات المعنية، التي عليها توفير ملايين الأطنان من القمح اللين من الاسواق العالمية، بأسعار مرتفعة، وبطريقة منافسة صعبة وقوية.
ولا شك ان توالي سنوات الجفاف، وما تخلفه من آثار سلبية على مردودية الصابة، سواء في الحبوب او الاعلاف، يؤثر سلبا على باقي ملحقات هذا القطاع، خاصة مسألة تربية المواشي والدواجن والبيض والحليب وكل متطلبات المعيش اليومي للمواطن، ويدفع نحو مزيد الشراء من الخارج، بالقطع الاجنبي، وما يتبع ذلك من استنزاف لاحتياطي العملة ومن نقص في الاسواق يؤدي حتما الى ارتفاع في الاسعار، وكل تلك السلسلة الجهنمية التي بات يعرفها التونسيون، لكنها تثقل عليهم، وتزيد في تأزيم أوضاعهم المعيشية.
من هذا المنطلق فان الدولة مطالبة اليوم باستشراف الامكانيات المتاحة خلال الموسم الحالي، وربطها بالحاجيات الضرورية والملحة للمواطنين، وبناء على ذلك ايجاد المعادلة الكفيلة بسدّ الفراغات واجتراح الحلول للخروج من الموسم بأقل الاضرار مع ضمان الحاجات الاساسية لحياة الناس.
لا يمكن التعويل على الذات دون دعم الفلاحة وزيادة الاستثمارات : مـــتـــى يـــعـــي الــتـونــســيــون أن أمــانـهــم فـي أرضهم؟
في آخر تقرير صادر عنه الاسبوع الفارط، حذّر المرصد الوطني للفلاحة من تراجع في قيمة الاستثما…