في الشأن التربوي : الجيل Z و المدرسة
من أي جيل أنا ؟
سؤال قد يطرحه كل فرد على نفسه في هذا العصر عندما يتابع الأدبيات التي أصبحت تصنف الأجيال الإنسانية تصنيفات تختلف من فئة عمرية إلى أخرى في علاقة بالفترة الزمنية التي عاشت فيها تلك الفئة وترعرعت وفق سماتها وخصائصها الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والتكنولوجية … وهذا يجرنا إلى سؤال آخر مهم في المجال التربوي يمكن أن يطرحه المدرس على نفسه وهو إلى أي جيل ينتمي التلاميذ الذين أدرسهم ؟ وما هي خصائص ذلك الجيل وسماته التي في حال أخذها بعين الاعتبار فإنها تساهم في دعم قدرات التعلّم لديهم ؟
يعتبر المهتمون بهذا المبحث المتعلق بالأجيال الإنسانية وخصائصها، أن أفراد كل جيل من الأجيال تجمعهم عموما صفات تميزهم عن غيرهم من الأجيال السابقة والأجيال اللاحقة . ويعود ذلك إلى نمط العيش الذي تربى فيه كل جيل وإلى الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والنفسية والتكنولوجية العلمية التي نشأ فيها. وعلى هذا الأساس أجمع المهتمون بهذا المجال على تصنيف الأجيال – وإن لم يتفقوا تماما على ذلك وبقي باب النقاش حولها مفتوحا – وخصوا كل واحد منها بتسمية مميزة وسنتعرض هنا إلى أشهرها .
ركز المهتمون في الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا خاصة ( ألخص هنا ما استقيته من عديد المصادر ) على تصنيف الأجيال المتعاقبة منذ أواخر القرن التاسع عشر إلى بداية القرن الحادي والعشرين إلى ثمانية أصناف هي على التوالي ووفق التسميات : الجيل الضائع ( هم مواليد ما بين 1883 و 1900 ) والجيل العظيم ( مواليد ما بين 1901 و 1927 ) والجيل الصامت ( مواليد ما بين 1928 و 1945 ) وجيل الإنجاب ( مواليد 1946 و 1964 ) وجيل X( مواليد ما بين 1965 و 1980 ) وجيل Y ( مواليد ما بين 1981 و 1996 ) وجيل Z ( مواليد ما بين 1997 و 2012 ) وأخيرا جيل alpha ( مواليد ما بين 2010 و 2020 ) . والملاحظ أن تصنيف الأجيال بهذا الشكل أطلق في البداية على أساس ديموغرافي في علاقة بالإنجاب ثم التقطه علم الاجتماع في محاولة للبحث عن مفهوم سوسيولوجي للتسمية وتفاعلاتها في المجتمع كجيل وليس كأفراد .
وإذ سنركز في هذا المقال على جيل Z لأن الشباب والمراهقين الذين يتواجدون في المدارس اليوم ينتمون إلى هذا الجيل ونذكّر بالجيلين السابقين لهذا الجيل وهما ما أطلق عليهما تسمية X و Y لنبين أن لكل جيل خصائص يشترك فيها أفراده وهي مهمة في تحديد طريقة التعامل معه .
فجيل X يهم المواليد ما بين 1965 و 1980 حسب بعض الطروحات ويمتد إلى سنة 1981 حسب طروحات أخرى ويسمى هذا الجيل بجيل « النصف الأعلى من جسم الطفل» « baby bus» في تلميح لإحدى خصائص هذا الجيل وهي ضعف نسبة الإنجاب لديه ويتميز بحماية الأسرة المبالغ فيها للأبناء إلى درجة عدم السماح لهم بالخطإ وتتميز أيضا بفرض رأي الولي على الأبناء . أما الجيل Y الذي يضم مجموع المواليد بداية 1981 ونهاية 1996 فإنه يتوحد في كونه – حسب الدراسات- لم يعرف العالم بدون مرض الإيدز وعاش فترة سقوط الشيوعية في العالم ونهاية الحرب الباردة وبالتالي فهو لم يتعامل مع النظريات الشيوعية . وعاش هذا الجيل فترة بداية دخول الانترنات في حياة الإنسان وانتشار ألعاب الفيديو . ووجد أفراده أنفسهم أمام ضرورة التعامل والتأقلم مع مفاهيم جديدة مثل البطالة والتفاوت الاجتماعي وحرية التعبير وقبول الاختلاف.. وبينهم تربى ما سمي آنذاك بالحلم الأمريكي ..
الجيل Z والمدرسة
يضم هذا الجيل مواليد 1997 إلى 2010 أو 2012 . وله تسمية أخرى هي «مواليد الرقمنة» لأن أفراد هذا الجيل يعيشون في زمن تغمره التكنولوجيا والرقمنة . فترعرعوا في بيئة تستعمل الهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي والرسائل القصيرة والصور والفيديوهات عبرها ومواقع الانترنات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي. وكان أن طورهم استعمال التكنولوجيا وأصبحت تلك الوسائل قنوات التواصل الأساسية فيما بينهم ومع الآخرين . لذلك استنتج الباحثون في المجال أن هذا الجيل يتكل على التكنولوجيا اتكالا تاما إلى درجة التبعية لها لأنها أصبحت تمثل جزءا من حياته مما أعطاه القدرة على تنفيذ مهام مختلفة في نفس الوقت وبكفاءة .
وهذه بعض سمات هذا الجيل التي استنتجها الباحثون ، فقد أضفيت على نشاطه صفة الذاتية والطرافة في آن واحد بسبب قدرة أفراده على النشاط مدة طويلة على الشبكة العنكبوتية وهو ما يمكنهم من التعامل مع طفرة من المعلومات المفيدة على الخط بالدقة والكفاءة اللازمتين . كما يوصف هذا الجيل بعدم خوفه من ارتكاب الخطإ ويعتبره مفتاح التعلم ومرحلة للوصول إلى الحقيقة وبالتالي لا يخجل أفراده عندما يقعون في الخطإ بل يتجاوزون ذلك ويحاولون مرات أخرى للوصول إلى الحل الصحيح وهذه صفة من صفاتهم وهي حب التجريب لكنه جيل يعتقد أفراده أنهم يعرفون كل شيء . ومن خصائص هذا الجيل اعتماد السرعة في الإجابة والردود المباشرة دون تريث . ويعتبر هذا الجيل الأكثر انفتاحا من غيره من الأجيال إذ يمتلك نظرته للحياة ومواقفه الخاصة به لكن بالمقابل مستعد لتغييرها باستعمال الحوار والنقاش والاقتناع . ولهذا الجيل كما لغيره لغة تخاطب خاصة به أفرزها التواصل عبر مواقع التواصل الاجتماعي قوامها اختصار المفردات في التعبير والاقتصار على أول حرفين في الكلمة . ويفضل أفراد هذا الجيل أن يتم التعامل معهم بالحسنى وطيب الكلام وأن يتم الإصغاء إلى مشاكلهم وأن يكون ذلك بنزول الكهول إلى مستوى تفكيرهم. ويولي أفراد الجيل Z أهمية كبيرة للنجاح في الحياة وللبروز في سوق الشغل . ويركزون في بناء أنفسهم وتنمية ذواتهم وتحقيق أهدافهم في الحياة على اكتساب المهارات أكثر من المعارف . ويبحثون دائما عن استكشاف ما جد في الحياة لتوسيع آفاق معارفهم من خلال تواصلهم الشبكي مع الآخرين
لذلك تدعونا تلك السمات الخاصة بجيل Z إلى ضرورة التعامل معهم في المدرسة بصورة مختلفة، واعتماد وسائل تعلم جديدة تتوافق مع انتظاراتهم وتلبي حاجياتهم، وتوظيف تكنولوجيا المعلومات والاتصال وتطبيقات الذكاء الاصطناعي في تعلَمهم ، واعتماد بيداغوجيا قائمة على الطرق النشيطة والتفاعلية في التدريس مع الاهتمام بالمسائل التطبيقية . لذلك يدعو الباحثون إلى التخلي عن شكل القسم الحالي التقليدي وتعويضه بفضاء يسهل فيه التواصل والتفاعل بين أفراد هذا الجيل من التلاميذ وإكسابهم مهارات القرن الحادي والعشرين وخاصة مهارات التفكير النقدي وحل المسائل والإبداع مما يمكنهم من النجاح في عالم دائم التغيير ينتظرهم بعد التخرج .
في الشأن التربوي : تربية الناشئة على المهارات أحد تحدّيات المدرسة
من بين التحديات الحياتية التي تواجه المجتمع الإنساني اليوم، والتي على المدرسة رفعها في كل…