مجلس الأمن الدولي يصوّت اليوم على عضوية فلسطين : هل تكون «رصاصة الرحمة» على «الشرعية الدولية»..؟
مرة أخرى، قد تكون الأخيرة، يجتمع مجلس الأمن الدولي اليوم الجمعة 19 أفريل 2024 للتصويت على منح دولة فلسطين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة وفقا لميثاق المنظمة الدولية الذي يشترط تأييد تسعة بلدان من بين البلدان الـ15 العضوة في المجلس مع شرط عدم استخدام دولة دائمة العضوية للفيتو المعروف بحق النقض أو بعبارة أدق «حق الباطل».
وكما هو معلوم ليست المرة الأولى التي ينظر فيها مجلس الأمن الدولي في هذا الموضوع، فقد سبق أن رفعت الولايات المتحدة الأمريكية «سيف النقض» في 23 سبتمبر 2011 وأسقطت قرارا في الغرض، كما تحدّت الإدارة الأمريكية وحلفاؤها المجتمع الدولي بالتصويت ضد نفس القرار في الجمعية العامة للأمم المتحدة في نوفمبر 2012، عندما أحرزت دولة فلسطين صفة الملاحظ بـ 137 صوت من الدول الأعضاء البالغ عددها 193 بلد آنذاك.
وقد مارست الإدارة الأمريكية وطفلها المدلل الكيان الصهيوني، نفس الموقف العدائي تجاه الفلسطينيين في الهيئات التابعة للأمم المتحدة ويتذكر الجميع الأزمة التي عرفتها اليونسكو على وجه الخصوص بسبب منح العضوية الكاملة لدولة فلسطين فامتنعت واشنطن عن سداد حصتها في ميزانية المنظمة.
وخلال الأيام الماضية أفادت المعلومات التي رشحت عن المشاورات داخل أروقة الأمم المتحدة ان الأمر ما يزال معلّقا على حد قول عديد السفراء هناك، ولا يستبعد ان تواصل أمريكا الكيل بمكيالين والانحياز الأعمى للكيان الصهيوني رغم تغير الأوضاع والمعادلات وهو ما يجب على الجميع استيعابه والبناء عليه.
ان التصويت من عدمه اليوم على منح دولة فلسطين العضوية الكاملة بالأمم المتحدة لن يكون في تقديرنا نهاية العالم ونهاية الحيف ونهاية الجرائم التي يرتكبها الصهاينة في المباشر في ظل صمت وتواطؤ رسمي، حرّك مع ذلك الضمائر ودفع بالشعوب في مشارق الأرض ومغاربها الى الانتفاضة على حكامها والتعبير بكل قوة عن الانحياز للحق الفلسطيني باعتباره حقا إنسانيا، لا يجوز بعد اليوم، الحديث عن إنسانية الإنسان وعن الشرعية الدولية وعن القيم والمبادئ التي أوردتها الشرائع والتشريعات الوضعية دون إنصاف شعب فلسطين ورفع مظلمة غير مسبوقة في التاريخ البشري.
ان حصول دولة فلسطين على العضوية الكاملة بالأمم المتحدة ليس محدّدا وشرطا للإقرار بحق الشعب الفلسطيني في هذه الدولة، وهو ليس منّة من أي جهة كانت خصوصا عندما يُبنى التصويت على اللاّعدالة وتكريس التمييز بين الفلسطينيين والصهاينة بمنطق العنف والتسلط والجبروت الذي نرى عيّنة منه هذه الأيام على ارض فلسطين.
ولنقل بصراحة أيضا أن العضوية بالأمم المتحدة، إن حصلت، لن تعفي الأشقاء أو الأصدقاء من الدول الأعضاء في المنتظم الأممي من المسؤولية في جبر الضرر الذي لحق بالشعب الفلسطيني ومحاسبة المجرمين والقتلة الذين أفرطوا في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية واستفادوا من الإفلات من العقاب بفضل حصانة الغرب بقيادة امريكا.
وبالنسبة الى النظام الرسمي العربي، فواهم من يعتمد مقولة أضعف الإيمان او تبرئة الذمة بالتحرك داخل أروقة الأمم المتحدة والتصريح لوسائل الإعلام والتقاط الصور التذكارية والدفع باتجاه اعتماد التصويت لصالح دولة فلسطين فهذا الحد الأدنى الذي يمكن ان يكفّر عن الذنوب التي كبرت بترك الفلسطينيين لقمة سائغة أمام العدو.
وحتى بالنسبة الى السلطة الفلسطينية ومن ورائها منظمه التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني فمن مصلحتها ألا تعتبر ان التصويت اليوم ينهي الصراع مع العدو بل هو بداية مرحلة جديدة وعلى أسس جديدة في هذا الإطار بالذات، يجب اعتبار التصويت لصالح حصول فلسطين على العضوية الكاملة في الامم المتحدة حقّا طالت مصادرته، ويجب ان يتم على قاعدة المنجز الميداني لملحمة طوفان الاقصى التي انطلقت يوم 7 اكتوبر 2023 والتي خطّ بفضلها الفلسطينيون بدمائهم الطاهرة صفحة جديدة ليس في تاريخ الصراع الفلسطيني الصهيوني والصراع العربي الصهيوني فحسب ولكن في حاضر المشهد الدولي الذي نرى بوضوح ان إرهاصات إرساء نظام جديد له بدأت تتشكّل بفضل تضحيات شعب الجبّارين، لعل ما حصل في ساحات وشوارع العالم وفي محكمة العدل الدولية على وجه الخصوص التي أدانت الكيان الصهيوني أدبيا على الأقل مقدمة لما نقول.
لقد خلقت المقاومة الفلسطينية الباسلة بكل فصائلها وباختلاف أدوارها وأحجامها، من حركتي حماس والجهاد إلى الجبهات الشعبية والديمقراطية والقيادة العامة والتحرير العربية وفتح وغيرها، واقعا جديدا وتوازنا جديدا هو توازن الرعب الاستراتيجي الذي جعل القوة العسكرية الرابعة في العالم، أي الكيان الصهيوني، مدعومة بالقوة الأولى ونقصد بها الإدارة الأمريكية، تفشلان الى حد الآن في تركيع وإرغام الفلسطينيين على الاستسلام رغم الإبادة الجماعية التي مورست طيلة سبعة أشهر دمّرت خلالها البنية التحتية وزفّ الفلسطينيون أكثر من 33 ألف شهيد وأكثر من 70 ألف جريح الى جانب المفقودين والأسرى في السجون والمعتقلات النازية للكيان الصهيوني.
لقد صيغت وارتسمت الشرعية الدولية بعد الحرب العالمية الأولى وخاصة بعد الحرب العالمية الثانية على الأنقاض والدمار والجثث والجرائم الفظيعة، وكانت النصوص الدولية نصوصا توافقية تعكس موازين القوى آنذاك وهي موازين مختلة، لذلك فشل المجتمع الدولي في صون هذه الشرعية وتطبيق حدها الأدنى في الحفاظ على إنسانية الإنسان وحقوق البشر وحرياتهم، وبالتالي، وبناء على موازين القوى الحالية وما يصنعه الفلسطينيون على الأرض من نصر تلو النصر، أفضى الى تغيير المواقف والمواقع في العالم، فان منح دولة فلسطين العضوية الكاملة بالأمم المتحدة لن يكون سوى الحد الأدنى الذي يحفظ ماء وجه حماة الشرعية الدولية ويمنع عنها رصاصة الرحمة التي اقتربت أكثر من أي وقت مضى من هذا النظام الدولي الجائر الذي لاحت بشائر تغييره.
في تفاعل بعض الوزراء مع نواب المجلسين : شيء من الواقعية وشيء من المبالغة أيضا..!
تتواصل تحت قبة البرلمان هذه الأيام الجلسات العامة المشتركة بين مجلس نواب الشعب والمجلس الو…