2024-04-19

تعاطي السموم المخدرة : مؤشرات خطيرة تستدعي استراتيجية شاملة للمعالجة

• 10 بالمائة من الاطفال الذين تقل أعمارهم عن 13 سنة استهلكوا المخدرات لمرة واحدة على الأقل

مجهودات متواصلة تبذل بشكل مكثف يوميا من أجل إحباط عمليات تهريب السموم المخدرة إلى داخل التراب التونسي لكن ذلك لم يمنع من تفاقم هذه الآفة التي باتت تفتك بضحاياها من التلاميذ والشباب والمراهقين اناثا وذكورا على حد سواء ممن غررت بهم شبكات الترويج التي لم تدخر جهدا في الوصول اليهم حتى في محيط الحرم المدرسي .. .حياة الكثير من الأسر التونسية تدمرت واصابها التفكك بسبب هذه الافة التي ماتزال الى اليوم تحقق انتشارا واسعا خاصة في ظل غياب حلول وقائية مثلى واستراتيجيات تشاركية ناجعة للحد منها .لقد حذر العديد من المختصين من التداعيات الخطيرة لانتشار الظاهرة وفي مقدمتهم الدكتور عبد المجيد الزحاف رئيس الجمعية التونسية للوقاية من تعاطي المخدرات الذي أكد في اكثر من مناسبة على تنامي استهلاك المخدرات في الوسط المدرسي، مشيرا إلى ارتفاعه المفزع  في صفوف الاطفال والمراهقين محمّلا مسؤولية ذلك للعائلة بدرجة أولى والمجتمع بدرجة ثانيةلافتا الى إنّ 10 في المائة من الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 13 سنة استهلكوا المخدرات  مرّة واحدة على الأقل وأنّ ثلث الأطفال المتراوحة أعمارهم بين 15 و17 سنة تعاطوا المخدرات لمرة واحدة على الأقل و أنّ 16 في المائة منهم لم يجدوا أيّ صعوبة في الوصول إلى المواد المخدّرة وهي أرقام مفزعة في الحقيقة وتترك مجالا للشك في مدى خطورة الوضع الذي أصبح عليه المجتمع اليوم.

وخلصت  بدورها المؤشرات المسجّلة ضمن نتائج المسح الوطني الثالث حول المخدرات والإدمان للمعهد الوطني للصحة في تونس إلى تضاعف استهلاك التلاميذ التونسيين للمخدرات خمس مرات خلال السنوات العشر الأخيرة حيث كشف المعهد الوطني للصحة ضمن مؤشراته لسنة 2023  أن 16.2 في المائة من التلاميذ المستجوبين ضمن عينة مسح تعاطي المخدرات يجدون سهولة في الحصول على مادة القنب الهندي (الزطلة) لاستهلاكها، في حين تقدّر نسبة استهلاك التلاميذ ولومرّة واحدة للأقراص المخدرة بـ8 في المائة.

وتشير الاخصائية في علم النفس العصبي آية حريز وهي مهتمة بمسألة السلوكيات الإدمانية، لا سيما إدمان المؤثرات الذهنية والسياسات العامة في مجال المخدرات في تونس في ورقة  لها حول الظاهرة  ان  تونس تفتقر  إلى تمشّ مهيكل في ما يخص التكفل بمتعاطي المؤثرات الذهنية حيث تبقى التدخلات معزولة بسبب الإطار التشريعي الذي يطغى عليه الطابع القمعي مقترحة مقاربة شاملة ومتناسقة لتطوير استراتيجيات تتلاءم مع واقع مشكلة تعاطي المخدرات في تونس.

واكدت الباحثة في ورقتها التحليلية بأن  الدولة التونسية لم تقترح  إلى يومنا هذا، أي مقاربة مهيكلة ومتناسبة للتعامل مع متعاطي المؤثرات العقلية في مواجهة تفاقم هذه المشكلة واستعجاليتها بل تحاول الدولة تعويض غياب استراتيجية شاملة بالالتجاء إلى التدخلات المعزولة. فمنذ دخول القانون 52 حيز التنفيذ وتنقيحه باتجاه تخفيفه في عام 2017، تستمر محاكمة العديد من الأشخاص لخرقهم هذا التشريع، مما يؤدي في كثير من الأحيان إلى عواقب مدمرة مثل التسرب المدرسي أو الهجرة غير النظامية أو الانحراف ناهيك عن انتهاكات حقوق الإنسان التي يتعرض لها متعاطو المخدرات أثناء احتجازهم .

وتؤكد الاخصائية أيضا انه يصعب تحديد حجم الظاهرة بدقة في ظل غياب إحصاء وطني رسمي حول تعاطي المخدرات مبينة أن جميع  التقديرات تستند إلى مؤشرات مختلفة مثل عدد المسجونين لارتكاب جرائم تتعلق بالمخدرات. أما بقية الأرقام فهي متأتية بشكل أساسي من المشروع المتوسطي للبحث حول الكحول والمخدرات الأخرى في المدارس (والذي يقتصر على تلاميذ المدارس والمعاهد الثانوية) والاعتماد على التقديرات التي تقترحها التحقيقات والإحصاءات العرضية والتي لا تعتبر مكتملة حسب وصفها مؤكدة بان التمشي  المتكامل يتطلب تعاونا وتنسيقا بين العديد من الهيئات الحكومية، بالأساس وزارات الصحة والشؤون الاجتماعية والعدل والتربية والتعليم، مع إقامة شراكات منفتحة وشفافة مع المجتمع المدني مع ضرورة وضع سياسة جزائية جديدة تميز بين المستهلكين والمروجين والمنتجين، وتضمن الحق في العلاج من اضطرابات تعاطي المواد المخدرة.

كما تقترح الاخصائية إعادة وضع مشروع إصلاح القانون 52 على جدول الأعمال  وتوفيرها التغطية الاجتماعية للأشخاص الذين يعانون من اضطرابات تعاطي المخدرات بالتعاون مع الصندوق الوطني للتأمين على المرض والتنسيق بين هياكل العلاج المختلفة وبرامج التكفّل والتأهيل من أجل تسهيل تنقل الأفراد بين الخدمات المختلفة وإعادة فتح مركز إزالة السموم في صفاقس، بالإضافة إلى إنشاء مراكز أخرى لإزالة السموم وما بعد العلاج في مناطق مختلفة من الدولة وإجراء دراسات إحصائية دورية على مستوى وطني لتوفير أرقام ممثلة للواقع ولتحديد المستهلكين الأكثر حاجة للعلاج وتطوير نظام طبي اجتماعي متخصص يهدف إلى استقبال المستهلكين الشباب مع عائلاتهم للحصول على رعاية أفضل كما تقترح وضع بروتوكولات للوقاية من خلال تنفيذ برامج التدخل المجتمعي وتدخلات الأقران داخل المؤسسات التعليمية.

وفي إشارة إلى حجم المجهودات التي تقوم بها المصالح المختصة حجزت وحدات الديوانة خلال سنة 2023 أكثر من 70 كلغ من مادة الكوكايين و2.5 مليون حبّة مخدّرة وأكثر من 450 كغ من «الزطلة» وهي كميات مهولة بحسب ما اكدته مصادر الإدارة العامّة للدّيوانة خاصّة أنها تضاعفت مرّتين وأكثر مقارنة بما تمّ حجزه سنة 2022 حيث تسعى شبكات التهريب إلى ابتكار أخبث الطرق والوسائل لإدخال السموم إلى البلاد ففي عمليات نوعية تمكنت مؤخرا مصالح الديوانة بميناء حلق الوادي الشمالي من ضبط كميّة من مخدّر القنب الهندي (الزطلة ) مخفيّة بإحكام داخل سيارة مسافر تونسي مقيم بالخارج . وذلك إثر تمرير سيارة المسافر المذكور على جهاز التفتيش بالأشعّة حيث تمّ التشكّك في احتواء السيارة على بضاعة مهربة وبإخضاعها إلى التفتيش الدقيق تم العثور على 72 صفيحة من مخدر القنب الهندي (الزطلة) تزن إجمالا 7200 غرام مخفية وسط أكياس من القهوة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

78 بالمائة منهم يريدون العودة : هل ستنجح  تونس في استعادة  كوادرها الطبية؟

كشفت نتائج دراسة أصدرها معهد الدراسات الاستراتيجية في مارس 2024،حول هجرة مهنيّي الصحّة ان …