تصدق فينا هذه الأيام حكمة الأجداد القائلة بأن «مطر أبريل تطلع السنبلة من قاع البير» في إشارة إلى أهمية نزول المطر في شهر أفريل ليكتمل نمو سنابل الحبوب. ويعتبرها الفلاحون بمثابة البشارة التي تعلن عن صابة وافرة.
والحقيقة ان الاستبشار بالأمطار الأخيرة التي انتظرها الجميع طويلا كان واضحا في كل انحاء الجمهورية لاسيما وان هذا الغيث النافع قد شمل كل ربوع بلادنا شمالا وجنوبا وغربا وشرقا. وهو إذ يطمئن الفلاحين في الشمال عن مآل صابة الحبوب خاصة في باجة وبنزرت والكاف وجندوبة وسليانة حيث بدأت منذ فترة أصوات التذمر تتعالى بشكل كبير جراء انحباس المطر، فهذا الغيث النافع هو بشارة خير أيضا لفلاحي الساحل والجنوب نظرا لفائدته الكبرى على المراعي وعلى المائدة المائية ولا ننسى الآثار الإيجابية لهذه الأمطار على الأشجار المثمرة بشكل عام وخاصة على غابات الزيتون في مختلف انحاء البلاد وتحديدا في جهة الساحل وصفاقس وبعض مناطق الجنوب.
والأكيد ان البشارة عامة وهناك اجماع سواء من قبل الفلاحين او المهتمين بالشأن الفلاحي على أهمية نزول الغيث النافع في هذه الفترة من السنة لإنقاذ الموسم الفلاحي الذي كاد يتضرر بشكل كبير جراء انحباس الأمطار في الأسابيع الأخيرة. ولا ننسى ان بلادنا عرفت سنوات جفاف متتالية أضرّت بالحرث والنسل وتركت تداعيات على الإنتاج الفلاحي بمختلف انواعه مما أدى الى حالة من الندرة والشح قادت بدورها الى الارتفاع المشط في الأسعار.
وقد عاين الجميع ذلك في شهر رمضان المنقضي والذي كان بالغ الصعوبة على ميزانية الأسر التونسية خاصة من أبناء الطبقة المتوسطة والفقيرة.
ومن المهم هنا التذكير دائما بأن بلادنا أصبحت مع الأسف من البلدان التي تعيش تحت وطأة الشح المائي جراء التغيرات المناخية التي عصفت بالكوكب وبالتأكيد نحن مثل كل بلدان العالم الثالث ندفع فاتورة سوء الحوكمة في المجال البيئي والطاقي التي يرتكبها الأغنياء الذين اثروا بإجحافهم في حق الطبيعة على التوازنات البيئية والمناخية على سطح الأرض.
لكن دعنا نتوقف عند ما يعنينا بشكل آني ومباشر وهو الإنتعاشة المرتقبة للموسم الفلاحي الحالي. وليس هذا فحسب فالأمطار الأخيرة والتي نزلت بكميات هامة من المنتظر أن تؤثر إيجابا على مخزون المياه في السدود.
وهذا يعد من الأمور بالغة الأهمية حتى لا نجد انفسنا تحت وطأة التقشف في الماء بشكل مبالغ فيه من قبيل الانقطاعات المتكررة او لا سمح الله اعتماد نظام الحصص في التزويد بالماء خاصة ونحن مقدمون على صيف يقول الخبراء في المناخ إنه سيكون ساخنا جدا في منطقتنا المتوسطية وبالتأكيد ستكون تونس معنية بشكل مباشر بهذه الآثار.
وعليه فإن كمية الأمطار التي نزلت في الآونة الأخيرة وربما ما تزال الأجواء ملائمة لنزول الغيث النافع في عديد المناطق وفق توقعات مصالح الأرصاد الجوية مهمة جدا وكفيلة بأن تخفف من آثار سنوات الجفاف المتتالية الى حد كبير.
إذن ونحن نتحدث عن الانتعاشة الممكنة للموسم الفلاحي الحالي علينا ان نذكّر بأهمية الاقتصاد الأخضر باعتباره رهان المستقبل والتحدي الذي ينبغي ان ترفعه بلادنا من أجل ضمان أمنها الغذائي وسيادتها الوطنية. فلا خير في شعب يأكل مما لا ينتج ويلبس مما لا يصنع في سياق يبدو فيه الخطاب السياسي الرسمي معلنا عنوانه الأبرز وهو السيادة الوطنية.
وهنا علينا ان نصارح انفسنا بأن منوال التنمية الذي اعتمدته دولة الاستقلال قد تآكل ولم يعد صالحا في الوقت الراهن بفعل التغيرات الكثيرة التي عصفت بكل المجالات. فلابد إذن من إعادة النظر في الخارطة الفلاحية من ناحية وفي تطوير أساليب الزراعة بالاعتماد على عصرنة الفلاحة والاستلهام من التجارب المقارنة. ثم اعلاء قيمة الفلاحة كركيزة أساسية من ركائز الاقتصاد الوطني ولعلنا تعلّمنا الدرس من جائحة الكورونا وحرب روسيا وأوكرانيا عندما ادركت كل الشعوب أهمية الرهان على الاكتفاء الذاتي في المواد الفلاحية والطاقة.
ولأن الماء هو المعضلة الحقيقية التي أصبحت تواجهنا في السنوات الأخيرة بعد ان اصبحنا نعيش فقرا مائيا مدقعا فإنه من المهم الاشتغال اليوم وبالسرعة والنجاعة اللازمتين لتطوير مواردنا المائية سواء عبر تحلية مياه البحر أو البحث عن مستثمرين سواء تونسيين او أجانب في هذا القطاع الواعد او عبر بناء سدود جديدة تستجيب للمعايير الجدية المتسقة مع التغيرات المناخية. ثم بالتأكيد الرهان الكبير على الطاقات البديلة او النظيفة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح التي تأخرنا كثيرا في اعتمادها ومازلنا نخطو الخطوات الأولى بشكل متعثر وبطيء في هذا المجال في حين ان هناك بعض البلدان الشقيقة التي انطلقنا معها في الفترة نفسها لكنها سبقتنا بأحقاب في هذا الخصوص.
المحكمة الجنائية تنصف غزة : أوامر باعتقال نتانياهو وغالانت من أجل ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية
الصحافة اليوم (وكالات الأنباء) أصدرت المحكمة الجنائية الدولية أمس الخميس أوامر اعتقال بحق …