2024-04-12

انتحار الأطفال : ظاهرة غريبة …وأرقام مفزعة تستدعي معالجة فورية..!

أقدمت تلميذة ما تزال في مرحلة التعليم الإعدادي على وضع حد قاس لحياتها عن طريق ارتكابها لفعل الانتحار بشكل بشع  لتضع بذلك جميع أفراد اسرتها تحت هول الصدمة التي قلبت  حياتهم رأسا على عقب واذهبت عنهم فرحة العيد قبل حلوله بحوالي يومين. وبعيدا عن الخوض في التفاصيل التي تبقى من اختصاص الجهات الأمنية فإن هذه الحادثة  أصبحت كغيرها من حوادث الانتحار المماثلة التي أصبحت تتكرر بشكل مفزع إلى درجة التطبيع معها على عكس ما كانت عليه في الماضي عندما كانت تنزل مثل هذه الأخبار كالصاعقة على متلقيها لأطفال مايزالون في مقتبل العمر يقدمون بشكل مفاجئ علىإنهاء حياتهم دون دوافع أوأسباب مقنعة لذلك فإنه مهما بلغت دقة التحليل وعبقرية المحلل في التشخيص فإنه لن يتمكن بشكل من الأشكال من تقديم سبب وحيد مقنع يدفع فتاة صغيرة فائقة الجمال ومتعلمة وتعيش في أسرة مثقفة وميسورة الحال على  الاقدام علىاقتراف مثل هذا الفعل البشع في حق نفسها وفي حق اسرتها في درجة ثانية .

إن الأرقام المعلنة الى حد اللحظة في تونس عن حالات ومحاولات الانتحار تخفي وراءها  أرقاما واقعية أكثر سوءا لم يتم الكشف عنها لسبب بسيط وهوأن عديد الأسر التونسية تخفي حالات الانتحار خوفا من الفضيحة وخشية نظرة المجتمع إليها وهوما وقع فعلا مع هذه الحادثة التي بلغتنا وقائعها عن طريق الصدفة حيث لم يتم تداولها الا في محيطها المجتمعي الضيق.

وأيضا وخلال شهر رمضان شهدت منطقة بولاية بنزرت  حادثة أليمة تمثلت في العثور على طفل يبلغ من العمر حوالي 10 سنوات منتحرا، بالقرب من منزله .

ولئن سجل شهر مارس 09 حالات انتحار ومحاولات الانتحار، معلنا بذلك تراجعا بأكثر من النصف مقارنة بالشهر السابق الا ان هذا التراجع المسجل في الارقام لا يمكن ان ينفي غرابة الظاهرة التي باتت تستهدف الاطفال بشكل واسع ومقلق خاصة وان اغلبها بات ينفذ في داخل محل السكن وقد اشار في هذا الاطار تقرير شهر مارس الى  ان  اغلب الحالات  نفذت بفضاء السكن وادت في غالبيتها الى الوفاة. وتصدرت ولاية القصرين الترتيب بـ6 حالات، تليها في ذلك المنستير بحالتين وقابس بحالتين. وشهد مارس انتحار  3 تلاميذ و4 من فئة الشباب وانتحار لكهل وحالة انتحار لعامل. وسجلت 6 حالات انتحار في صفوف الإناث، و 3 في صفوف الذكورمما بات يستدعي ضرورة فتح تحقيق معمّق يضم علماء النفس والاجتماع والانثروبولوجيا لتشخيص ظاهرة الانتحار في تونس وتقديم الحلول للسيطرة عليها .

وبخصوص الأسباب فقد أكدت رحاب المبروكي عضوالمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية في تصريح لـ«الصحافة اليوم» بان معدلات الانتحار ومحاولات الانتحار التي تنتشر بشكل مفزع  تحولت من حالات معزولة وفردية إلى ظاهرة وهوما يعود إلى العديد من الأسباب الاقتصادية والاجتماعية والنفسية وخاصة ارتفاع معدلات البطالة والفقر والهشاشة الاجتماعية. ولئن أكد اغلب المختصين بأن الظاهرة دائما ما تنجم عن تراكم عدة عوامل في مقدمتها الإصابة بالأمراض النفسية مثل الاكتئاب فإن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتردية التي مرت بها البلاد طيلة العشر سنوات الماضية  تقف بدورها وراء استفحال حالات الانتحار إذ  يشير في هذا الصدد  المرصد الاجتماعي التونسي التابع للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية في تقاريره بأن تدهور المناخ الاقتصادي والاجتماعي في بلادنا بعد ثورة 2011 ساهم في دفع العديد من الأشخاص ممن يعيشون ظروفا صعبة الى الإقدام على فعل الانتحار نتيجة لانسداد الأفق أمامهم وفقدان الأمل فالإنتحار مثله مثل الهجرة غير النظامية يعتبر في نظر الكثير من الفئات الفقيرة والمهمشة التي لاتملك بين ايديها عصى سحرية لتغيير الواقع حلّا للهروب من أوضاعهم الصعبة. كما يرجع المرصد تنامي  ظاهرة الانتحار في صفوف الشباب إلى كثرة التحديات المعيشية وصعوبة الحصول على متطلبات الحياة خاصة بالنسبة للأشخاص الذين هم في وضعيات هشة مما يخلف أزمات نفسية حادة لديهم تنتهي بهم إلى الانتحار.

كما افاد التقرير السنوي للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، أن سنة 2023 سجلت 95 حالة انتحار و52 محاولة انتحار، أغلبها في صفوف الشباب، وأكثر من 80 بالمائة منهم من الذكور.وسجلت ولاية القيروان نحو17,7 المائة من حالات ومحاولات الانتحار المرصودة في 2023 تليها ولاية نابل بنسبة 9,52 بالمائة ثم ولاية بنزرت بأكثر من 8 بالمائة.

كما رصد المنتدى 11 حالة انتحار ومحاولة انتحار في جانفي 2024، منها 10 في صفوف الذكور وأغلبها في ولاية القيروان تليها ولاية اريانة ثم القصرين.

وتجدر الاشارة الى انه في ظل تفاقم هذه الظاهرة التي باتت تسجل حالتي انتحار شهريا في صفوف الأطفال من المنتظر ان تشرع وزارة الأسرة في إنجاز دراسة علميّة معمّقة حول محاولات وحالات الانتحار لدى الأطفال لفهم أسباب هذه الظاهرة قصد الاستناد إليها لتحديد السياسات وتصويب التدخلات الوقائيّة في هذا المجال.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

ترسانة من القوانين والتشريعات : هل اكتملت حقوق الطفل ..؟

تكاد  العديد من الدراسات الرسمية وغير الرسمية الكمية منها والنوعية في تونس كما في غيرها من…