إقالة وزير التربية وملف التدقيق في الشهادات والانتدابات : الخلفية والتداعيات؟
لم تمر إقالة وزير التربية محمد علي البوغديري مرور الكرام بل أثارت عاصفة من السجال والتكهنات والتي تراوحت ما بين جدّ وهزل.
حتى أن بعض الظرفاء علّقوا بسخرية عن دخول الوزير في عطلة نهائية مع استئناف التلاميذ للدراسة بعد عطلة الربيع. اما من يرى الامر من زاوية سياسية فقد علّق بشكل لا يخلو من شماتة مبطنة مشيرا الى الخلفية النقابية للبوغديري قائلا إن الوزير خسر المنصب لكن قبل ذلك خسر رفاقه.
اما البعض الآخر الأكثر جدية فقد اعتبر اقالة البوغديري بسرعة كبيرة قد تمت لأمر جلل بالتأكيد على اعتبار أن وزير التربية المقال هو من اقل الوزراء الذين ظلوا في هذا المنصب تقريبا. رغم أنه عادة ما يفضل بالنسبة لقطاع التربية تحديدا ان « يستقر » الوزير في منصبه لأطول فترة ممكنة حتى يتسنى له متابعة الاصلاح والبرامج المطروحة .
كما ان اقالة البوغديري جاءت في توقيت دقيق بالنسبة الى السنة الدراسية التي عادة ما تكون هذه الفترة مرتبطة فيها بعمل حثيث يتمثل بالاستعدادات المادية واللوجستية للامتحانات الوطنية على غرار الباكالوريا ومناظرات «السيزيام» و«النوفيام».
هذا بالإضافة قطعا الى مشروع الإصلاح التربوي المطروح والذي راهن الكثيرون على ان ينطلق في اسرع وقت ممكن خاصة مع الاهتمام الكبير الذي أظهره رئيس الجمهورية قيس سعيد بهذا الموضوع واعلانه عن انشاء مجلس أعلى للتربية سيكون بمثابة مرجعية في حل مشاكل التربية والتعليم في تونس.
هذا على المستوى التقني او العملي بالنسبة الى سير دواليب وزارة التربية اما على المستوى السياسي فمبعث الدهشة وربما الصدمة التي قادت الى السجال الذي ذكرناه فهو ان محمد البوغديري من اكثر المتحمسين لمسار 25 جويلية وتجلى ذلك في التصريحات التي ما انفك يقدمها وهذا ما يرجح مرة أخرى فرضية الأمر الجلل الذي قاد الى التخلي عنه واقالته من وزارة التربية في هذا الوقت بالذات.
وفي هذا الصدد تابعنا عديد التكهنات والتخمينات التي يحاول أصحابها تفسير او تبرير اقالة وزير التربية وكلها تصب في خانة واحدة وهي عجز الوزير محمد علي البوغديري عن الاضطلاع بمهنته على رأس هذه الوزارة المهمة من ناحية اذ يبدو انه فشل في حوكمة الكثير من الملفات التي تحتاج الى السرعة والنجاعة. وعدم مباشرته لملف دقيق ومهم من ناحية أخرى وهو التدقيق في موضوع الشهادات المزيفة والانتدابات التي لا تقوم على مبدإ الكفاءة وتكافؤ الفرص. ومعلوم ان وزارة التربية من اكثر الوزارات التي تفشت فيها هذه الظاهرة وفق ما جاء في اكثر من سياق وعلى لسان أبنائها ومعلوم أيضا ان رئيس الجمهورية قيس سعيد قد وضع نصب عينيه مكافحة الفساد بكل مظاهره وتجلياته وفي كل المجالات والقطاعات بلا هوادة.
والواضح ان أداء الوزير ونتائجه في هذا الملف وغيره لم تكن مرضية او هي قطعا دون المأمول.
والأكيد ان مربط الفرس في هذه الإقالة هو حتما عدم التسريع في موضوع مراجعة الشهادات المزوّرة والتدقيق فيها. لاسيما وان رئيس الجمهورية قيس سعيد قد باشر منذ مدة حربا بلا هوادة وقد أسماها عملية تطهير الإدارة من كل الذين اندسّوا في صلب الوظيفة العمومية وفي أجهزة الدولة عبر المحاباة والزبونية ودون الخضوع لمعايير ومقاييس مهنية دقيقة الى جانب من تسلّلوا الى مناصب بشهادات مزوّرة.
وفي هذا الاطار يمكن تنزيل اللقاء الذي جمع رئيس الجمهورية قيس سعيد بالسيد عماد الحزقي رئيس الهيئة العليا للرقابة الإدارية والمالية ومقرر لجنة قيادة عملية التدقيق في الانتدابات والادماج بالوظيفة العمومية والهيئات والمؤسسات والمنشآت العمومية والشركات ذات المساهمة العمومية وسائر الهياكل العمومية الأخرى المنجرة من 14 جانفي 2011 الى 25 جويلية 2021.
وبدا واضحا أن رئيس الجمهورية يولي أهمية بالغة لموضوع عمليات التدقيق التي تشمل حوالي 431 الف انتداب لا تستجيب للضوابط القانونية وأغلبهم قد تم ادماجهم على قاعدة الولاء والمحسوبية في ظل غياب تام لمبدإ تكافؤ الفرص وهو ما جعل من يستحق الانتداب يعاني من البطالة ومن لا تتوفر فيه ادنى المقومات والشروط يحظى بهذه الوظيفة او تلك.
ووفق ما جاء في بلاغ رئاسة الجمهورية على صفحتها الرسمية بلغت نسبة الاستجابة في هذا الملف حوالي 60 بالمائة وهو الأمر الذي لم ينل رضا رئيس الجمهورية ويبدو غير مقبول بالنسبة اليه فهذا الملف يتطلب سرعة اكبر ونجاعة افضل وذلك من اجل الحفاظ على مرافق الدولة وعلى ديمومتها ومحاربة الفساد الذي نخرها وفي هذا الصدد لابد من تحميل للمسؤوليات لأصحابها.
التشغيل في تونس : «أم المعارك» التي لا بدّ من خوضها
لا شك ان احد الرهانات المطروحة على تونس اليوم هو التشغيل بكل ما يعنيه هذا الملف من تعقيد …