2024-04-02

في الشأن التربوي : عندما يتحدّى التطور التكنولوجي التعليم التقليدي

يهيمن التطور التكنولوجي على كل مناحي حياتنا في السنوات الأخيرة. ومن مزاياه أن سهل على الإنسان حياته وحسن من جودتها . واستفادت من ذلك كل القطاعات بما في ذلك القطاع التربوي الذي لا يمكن أن يغيب عنها . فقد تحدى التطور التكنولوجي المدرسة التقليدية وغير من ثوابتها وأسسها ومن طريقة اشتغالها وخاصة من حيث توظيف التقنيات التكنولوجية في عمل المدرسين وتغيير دورهم ، ومن حيث تغيير مكانة المتعلمين في عملية التعليم والتعلَم واكتساب المعارف، ومن حيث توفير الموارد التعليمية المتنوعة بكثافة عالية . فإلى أين يأخذ هذا التحدي المدرسة التقليدية خاصة في مجالي التعليم والتعلَم ؟

يوفر التطور التكنولوجي الهائل والمتسارع الظروف لظهور مدرسة جديدة لا علاقة لها بالمدرسة التقليدية في ظل ما توفره الرقمنة والذكاء الاصطناعي وعالم الروبوتات اليوم من تطبيقات وأدوات ووسائل متنوعة دخلت المدرسة لتساعد المدرس كما المتعلَم في عملية التعليم والتعلَم بل وتكون معوضا للمدرس وتقتصد جهده  في عديد الوضعيات التعليمية . وينتج وقد أفرز هذا التطور مقاربات تعليمية جديدة و بيئة مدرسية بمقاييس أخرى محفزة على التعلم وموارد متنوعة في منصات متخصصة  وفي مراكز للإعلام والتوثيق في المؤسسات التربوية وفي عديد المواقع التربوية وغيرها . كل ذلك يربط رباطا وثيقا بين التعليم والتطور التكنولوجي لا يمكن قطعه لكن يمكن إذكاؤهه وتطويره لأنه قادر على تغيير نظرتنا للتعليم . وهكذا فإن التطور التكنولوجي يتحدى المدرسة التقليدية ويغير طريقة اشتغالها من حيث الأسلوب الذي يتعلم به التلميذ والمقاربة التي يستعملها المدرس لأداء مهمته التعليمية مما يضفي على التطور التكنولوجي القدرة على تحسين الأداء التعليمي للمدرسة وتطوير علاقة المتعلمين بالتعلَمات وبالمحتويات التعليمية عموما .

تحدي التعليم

ويتحد التطور التكنولوجي المدرسة التقليدية في مجال التعليم ذلك أن توظيف التقنيات التكنولوجية في التعليم يطور عمل المدرسين ويمكنهم من تطبيق مقاربات بيداغوجية جديدة وتقنيات تعليمية حضوريا أو عن بعد تستند إلى الذكاء الاصطناعي وإلى الصورة والفيديو والتعليم المرقمن . لذلك فإن دور المدرس لن يتواصل على النحو الحالي التقليدي باعتباره مصدرا للمعرفة وعنصرا أساسيا لتمريرها إلى المتعلمين بل سيقتصر دوره على مساعدة تلاميذه على التعلَم ويتم ذلك بمرافقتهم لتحقيق ذلك الهدف. ومن مظاهر تلك المرافقة تمكينهم من المنهجية العلمية الصحيحة للتعامل مع الكم الهائل من المعلومات والمعارف المتصلة بالتعلمات المدرسية  والمطروحة مجانا على مواقع الانترنيت ومنصاتها . فيصبح المدرس مطالبا بإنتاج

محتويات تعليمية رقمية تستند إلى سيناريوهات خاصة بالتعليم المرقمن بتصميم جديد وإلى الموارد الرقمية والمحتويات التعليمية الجاهزة التي توفرها الشبكة العننكبوتية ولا يمكن الاستفادة منها إلا باستعمال السبورات التفاعلية في وضعيات تعلم تفاعلي داخل الفصل باستعمال المقاربة التشاركية  والتفاعلية في التدريس النشط القائم على المشاريع . كما يعتمد المدرس على روافد تعليمية أخرى وخاصة منها توظيف الصورة والصوت والفيديو للتعلم .

وباعتماد التكنولوجيات الحديثة يغير المدرس طريقة تعلم التلاميذ ويطور علاقتهم بالمعرفة ويجعل التعليم أكثر متعة وإثارة لاهتمام التلاميذ مما يشجعهم على الانخراط في عملية التعليم . وهو ما يحسن مردودية المدرسة وفاعليتها . ويلتقي كل ذلك مع نتائج دراسة مغربية حول استعمال تكنولوجيا المعلومات والاتصال في تدريس الرياضيات أكد من خلالها المدرسون المستجوبون أن استعمال التكنولوجيا الحديثة في التدريس تكون سندا مهما لهم في إعداد دروسهم وإثرائها حتى تكون أكثر جذبا للمتعلمين  كما تساعد على تطوير محتوى الدرس وتنويع بيداغوجيا التدريس وتسهل تحقيق الأهداف المرجوة .

تحدي التعلَم

كما يتحدى التطور التكنولوجي المدرسة من حيث التعلَم . فقد غير دور المتعلمين بتشريكهم  في العملية التعليمية التي لم تعد حكرا على المدرس وذلك من خلال توظيف الشبكة  في المقاربة التعليمية لأن التفاعل مع الشبكة يشجع التلميذ على التعلم الذاتي باستقلالية لأنه يجد على الانترنات الإجابة عن أي سؤال يخامره أو التحليل أو الشرح الذي غاب عنه في القسم لأي سبب من الأسباب أو الإجابة التي تكمل ما استمع إليه من المدرس في القسم . وتقوم تطبيقات التعلم في الهواتف الذكية بنفس المهمة، وهو ما يطور تجربته التعليمية ويحفزه حتى يكون مسؤولا عن تعليمه وبالتالي يتعلم حسب الحاجة وحسب قدراته وبالنسق الذي يناسبه . هذا التمشي يساعد التلميذ على اكتساب المهارات المكملة للتعلَم مثل مهارات القيادة والاستقلالية وتحمل المسؤولية وحل المسائل والتنظيم والتخطيط  والحكمة في التنفيذ والتكوين الذاتي … ويصبح متحكما في آن واحد في  المعرفة ومتمكنا من  المهارات التي تضمن له النجاح .

وفي هذا الإطار تبين دراستان كنديتان (سنة 2005 Stephane Villeneuve, ) وأخرى (سنة  2011  Moussa Tessa ) أن لتوظيف التكنولوجيات الحديثة في التعلم الأثر الايجابي على  الدافعية للتعلم لدى المتعلمين كما تؤكد دراسة للاتحاد الأوروبي أهمية توظيف التكنولوجيات الحديثة في التدريس في شد انتباه المتعلمين للدراسة إضافة إلى تقوية دافعيتهم للتعلم.

إن توظيف التطور التكنولوجي في التعليم هو تحد على المنظومة التربوية رفعه لأنه القادر على تطوير المدرسة التقليدية وتحويلها إل مدرسة ذكية بنهلها من الموارد التي توفرها تلك التكنولوجيات من أجل تعليم جيد وفعال للناشئة . لذلك يعتبر عديد الباحثين اليوم أن المدرسة التقليدية أفل نجمها ومن الضروري أن نوفر للناشئة مدرسة توظف التكنولوجيات الحديثة  تؤهلهم ليكون لهم موقع في العالم في المستقبل كما يقول Ittigson Robin ,  الباحث في تعليم الرياضيات في مقال له صدر سنة 2003  حول تحدي التدريس باستعمال التكنولوجيا.

(❊)باحث وخبير في الشأن التربوي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

اليوم العالمي للمدرّسين 2024 : المدرّس هو القلب النابض للعقد الاجتماعي الجديد   

أقرت اليونسكو منذ سنة 1994 بتوصية مشتركة مع منظمة العمل الدولية تقليدا مهما بالنسبة للتعلي…