إشكاليات المرفق العمومي في الصدارة مرة أخرى: تحدّيات التطوير والمحاسبة والإنقاذ..!
مما لاشك فيه ان تطوير المرفق العمومي هو التحدي الأكبر الذي تواجهه تونس اليوم بالتوازي قطعا مع تحديات أخرى فمعلوم انه القاطرة التي تقود الاقتصاد الوطني. وليس هذا فحسب بل هو أيضا الدعامة التي بها يتحقق الاستقرار الاجتماعي.
ولذلك كان التعاطي مع هذا القطاع دقيقا ويحتاج الى الكثير من التركيز والجدية في كل مراحل تاريخنا المعاصر. وربما لكل هذه الاعتبارات كان التفريط في بعض مكوناته واهمال البعض الآخر وتركها في أيادي الهواة والمغامرين والموالين بداية اختلال التوازنات الاقتصادية الكبرى.
وقد أصبح من المعلوم اليوم ان تخريب المؤسسات العمومية الكبرى التي كانت رافعة الاقتصاد الوطني مع مرحلة بناء دولة الاستقلال هو فعل ممنهج وتم التخطيط له بإحكام من قبل بعض المتواطئين العاملين في صلب أجهزة الدولة مع مجموعة من اللوبيات المالية الفاسدة التي كان هدفها الاستحواذ على مفاصل الدولة من جهة وعلى مقدراتها المادية من جهة ثانية.
وكانت النتيجة الحتمية هي ما نحن عليه اليوم من ازمة اقتصادية خانقة وغياب الاستثمارات الكبرى التي تقوم بها الدولة وتراجع المردود المالي الذي كانت تدرّه بعض المؤسسات العمومية المهمة خاصة ذات التنافسية العالية. والأدهى والأمرّ انها أصبحت اليوم عالة على المالية العمومية وعبءا على المجموعة الوطنية. وقد عاين التونسيون بأنفسهم كمّ الخراب الذي أصبحت عليه بعض الشركات الوطنية على سبيل الذكر وليس الحصر ، على غرار شركة الفولاذ بمنزل بورقيبة والشركة التونسية للسكر بباجة والشركة التونسية لعجين الحلفاء والورق بالقصرين والتي أصبحت «أطلالا» تذكّر بالعصر الذهبي الذي عاشته هذه المؤسسات الوطنية وغيرها. اما إشكاليات شركة فسفاط قفصة والخطوط التونسية فهي حقيقة الصداع المزمن الذي يؤرق المسؤولين السياسيين بالتأكيد نتيجة التدهور العام في هذه المنشآت التي كانت تدرّ أرباحا طائلة على الاقتصاد الوطني وأصبحت معضلة بل مكمن عطالة اقتصادية بكل ما تحمله الكلمة من معان.
ومن الواضح اليوم ان قضية تطوير المؤسسات العمومية والنهوض بها وإعادتها الى النجاعة والفعالية الاقتصادية التي كانت عليها أصبحت في صدارة اهتمام رئيس الجمهورية اليوم منذ ان تواترت زياراته بشكل مكثف الى هذه المنشآت والإعراب عن قراره في ان تظل مملوكة للدولة ولا سبيل للتفريط فيها بل والخوض في تفاصيل تاريخية عن عملية التفويت المشبوهة في البعض منها والرغبة في النسج على المنوال نفسه عبر «تفليس» البعض الآخر منها تمهيدا لبيعه للخواص بأثمان زهيدة.
ومرة أخرى تقفز إشكالية المؤسسات العمومية الى صدارة اهتمام رئيس الجمهورية قيس سعيد من خلال تطرقه الى هذا الملف لدى لقائه الأخير برئيس الحكومة أحمد الحشاني وتأكيده على ضرورة الإسراع في عملية إنقاذ المنشآت العمومية . وكان اللقاء مناسبة ليطّلع على البرنامج التفصيلي لإنقاذ الشركة التونسية للسكر التي يعود تاريخ انشائها الى عام 1961. وقد تهاكلت معداتها في العقود الأخيرة وبعضها اصبح خارج الخدمة ولم تحقق الرهانات التي كانت مطروحة ابان بعثها.
وهي التي كانت تشكل مصدرا لتأمين حاجيات التونسيين من هذه المادة الأساسية دون الحاجة الى التوريد. وقد عشنا في السنوات الأخيرة نقصا حادّا في هذه المادة جراء الانخرام في التزويد على المستوى العالمي وتراجع مواردنا المالية الذي اثر سلبا على إمكانية استيراد كميات كبيرة من السكر وادى هذا الى عملية ندرة في السوق.
والأكيد ان برنامج انقاذ الشركة التونسية للسكر سيكون منطلقا لإنقاذ باقي المؤسسات العمومية مثل شركة الفولاذ والشركة الوطنية لعجين الحلفاء والورق وهو ما أمر رئيس الجمهورية بالتسريع به.
وتفيد بعض المعطيات الإعلامية ان هناك طلب استثمار من وزارة الصناعة الى البنك الأوروبي لإعادة الاعمار والتنمية للحصول على قرض قيمته 70 مليون دينار سيتم توجيهه لإعادة هيكلة شركة الفولاذ وصيانة معداتها وتحسين وضعيتها وتطوير قدرتها على الإنتاج.
وجاء هذا عقب موافقة مجلس وزاري على برنامج إعادة هيكلة شركة الفولاذ ببنزرت و معمل عجين الحلفاء والورق بالقصرين.
وفي الاطار نفسه تم التطرق الى النهوض بالمرفق العمومي بكل مكوناته وان سياسة التفريط في المرافق العمومية التي تواصلت منذ عقود ينبغي ان تتوقف وفق ما جاء على لسان رئيس الجمهورية في لقائه مع رئيس الحكومة . وليس هذا فحسب فقد شدد الرئيس قيس سعيد على ضرورة محاسبة كل المسؤولين الذين ساهموا بشكل مباشر او غير مباشر في تخريب ممتلكات الشعب التونسي في كل المرافق العمومية ومن بينها مرفق النقل العمومي الذي خصّه بتفصيل دقيق خلال هذه المناسبة.
النداء الأخير : أيها التونسيون ..إلى صناديق الاقتراع..!
يتوجّه التونسيون كما كان منتظرا اليوم الى مراكز الاقتراع ليختاروا من سيدير شؤون البلاد لم…