المشاركة التونسية : بين تألق أبطال وبطلات التايكوندو والجــيدو والـتـنس ورفـع الأثـقـال وعـودة الـطـائـرة النـسـائية ..وتراجع الملاكمة وألعاب القوى وعجز الدراجة عن السير
أسدل الستار على الدورة الثالثة عشرة للألعاب الإفريقية أكرا 2024 التي أقيمت خلال شهر مارس لأول مرة في تاريخ هذه التظاهرة القارية منذ انبعاثها و تنظيم نسختها الأولى عام 1965. وهي الدورة الأولى التي تجرى بثلاث مدن بعد أن كانت الدورة الفارطة التي احتضنتها المغرب سنة 2019 أقيمت في مدينتي الرباط والدار البيضاء للمرة الأولى أيضا.
ولعله مع تفتح الأحداث الكبرى على أكثر من دولة يتعين على جمعية اللجان الوطنية الأولمبية بإفريقيا المشرفة على الألعاب بحث تنظيم النسخ القادمة في أكثر من بلد بحكم ارتفاع كلفة التنظيم وحتى تتفادى التأجيل وهي السمة البارزة التي ميزت هذه التظاهرة التي لم تستطع الحفاظ على انتظامها وتأرجحت معظم نسخها بين التأجيل والإلغاء لأسباب ليس هنا المجال للخوض فيها.
ولعل الملفت للإنتباه يتمثل في عدم استضافة تونس لهذه التظاهرة رغم مرور سبعين سنة على إحداثها و مشاركة بلادنا في كل نسخها ورفض تنظيمها في المرات التي اقترحت على المسؤولين التونسيين استضافتها وهذا الأمر لا يعرفه إلا البعض من المتابعين لما يحدث ويدور في الأروقة الضيقة الممنوعة على الكثيرين.
40 ميدالية للفتيان و46 للفتيات وواحدة مختلطة
ونبقى مع الحضور التونسي في هذه الألعاب التي شكلت على مر الزمن فرصة سانحة لبروز وتألق أبطالنا وبطلاتنا في أكثر من رياضة لاسيما العاب القوى والسباحة والملاكمة الرياضات الأكثر حضورا على الصعيد القاري للإشارة إلى أن تونس حافظت على مركزها الخامس وراء مصر متصدرة الدورات الإفريقية و نيجيريا و جنوب إفريقيا التي اعتلت القمة منذ مشاركته الأولى سنة 1995 ثم الجزائر. وكان بالإمكان الحصول على مرتبة أفضل و خاصة تحقيق نتائج أفضل من تلك التي تحققت على امتداد أكثر من أسبوعين باعتبار الإنطلاق الفعلي للمنافسات قبل الإفتتاح الرسمي بخمسة أيام أي يوم 3 مارس وهو ما جعل هذه الدورة الأطول على مستوى المدة الزمنية وذلك لأسباب عديدة منها بالخصوص عدم توفر التجهيزات الرياضية اللازمة لإحتضان منافسات كافة الرياضات المبرمجة.
ذلك أنه من ضمن 87 ميدالية موزعة بين 22 ذهبية و 27 فضية و38 برنزية جاء التوزيع متقاربا بين الفتيات والفتيات حيث كان نصيب بطلاتنا عشر ميداليات ذهبية و17 فضية و19 برنزية مقابل 11 ميدالية ذهبية للرجال و10 فضية و 19 برنزية وميدالية واحدة في المسابقة المختلطة الوحيدة التي فزنا بها و نعني ذهبية مسابقة الجيدو المختلطة للفرق.
ومن بين 23 رياضة مدرجة شاركت تونس في 13 منها ولعل عدم حضور منتخبات تونسية في باقي الرياضات يعتبر نقطة سلبية لأنه مهما كانت السباب فإن الغياب يعتبر عدم القدرة على المنافسة ولا أدل على ذلك الغياب المرفوض جملة وتفصيلا للسباحة التونسية وللتنس النسائي ولكرة اليد وكرة السلة ومنتخب الكرة الطائرة للرجال. فهذه المنتخبات المفروض أنها تعتلي منصات التتويج بأبطال شبان وبمنتخبات للآمال لو كانت الرياضة عندنا تسير طبق استراتيجية واضحة المعالم وخطط وبرامج علمية ولو كان المجال الرياضي سليما لكن أنظروا حالة منشآتنا الرياضية لتفهموا كل شيء….
الدراجة والعاب القوى والملاكمة إلى أين؟
وقد كان من المفروض أن تزيد حصيلة الوفد التونسي عن 22 ميدالية ذهبية ولا أتحدث على الفضة والبرنز لأن الكثير منها ليس لها أي قيمة وهي ميداليات منحت عبارة عن شهادات مشاركة ليس أكثر، إنما أقصد المعدن الأغلى الذي كان من الممكن أن يكون أرفع وأن تنهي تونس الدورة في المركزين الثاني أو الثالث.
فرياضة ألعاب القوى عادت من أكرا بخفي حنين وبميداليتين فضيتين و خيبات وانسحابات تعكس تدحرج الرياضة الأولمبية الأولى عندنا والتي كانت تمثل مصدر فخر واعتزاز الرياضة التونسية، إن النتائج المخيبة للآمال لألعاب القوى التونسية بالعاصمة الغانية تحتم مراجعة الكثير من الأشياء وتتطلب خاصة فتح ملف هذه الرياضة التي فقدت شعبيتها وإشعاعها وقيمتها وجماهيريتها وفقدت كل شيء كان يرفعها في السابق لتنزل إلى درجة غير مسبوقة من الوضاعة. وما يقال على العاب القوى ينطبق أيضا على الملاكمة التي شهدت تدهورا كبيرا في السنوات الأخيرة و مرت بفترات حرجة للغاية شأنها في ذلك شأن ألعاب القوى ولئن استبشر أهل الفن النبيل عندنا بانتخاب مكتب جديد منذ أكثر من سنة فإن آمال أحباء هذه الرياضة تبخرت وذهبت سدى مع القرارات والخطوات والإجراءات التي لم تقدم باللعبة قيد أنملة. ولعل عدم ترشح أي ملاكم للدور النهائي والإكتفاء بحصيلة هزيلة وبأسوإ مرتبة في تاريخ مشاركات الملاكمة التونسية في الدورات الإفريقية رغم المشاركة بأكبر وفد في تاريخ الملاكمة التونسية .. كل ذلك يدعو الساهرين على تسيير شؤون هذه الرياضة عندنا بتعديل عقارب الساعة على توقيت «غرينيتش» حتى لا يغمرهم الطوفان…
أما رياضة الدراجات التي عادت بأسوإ مما ذهبت فقد تركت خيبة أمل عارمة تحتم إجراء تغيير شامل إدرايا وفنيا وتسييريا وتنظيميا على هذه اللعبة علها تنتفض من سباتها وتعود إليها الروح..
إنجاز تاريخي للتايكوندو والجيدو يستعيد الريادة القارية
وإذا كانت إخفاقات رياضات العاب القوى والملاكمة والدراجات تعكس واقعا معينا وتراكمات أحداث بعضها يعود إلى أكثر من عشر سنوات إلى الوراء فإن بعض الرياضات الأخرى لازالت غير جاهزة للمنافسة على الألقاب والتتويج القاري على غرار الرقبي وكرة الطاولة والترياتلون فيما حافظت رياضة الكاراتي على موقعها رغم كونها كان بالإمكان تحقيق نتائج أفضل من ميدالية ذهبية يتيمة.
ومع عودة الطائرة النسائية والتتويج الباهر للمنتخب النسائي بالميدالية الفضية والذي يعتبر مؤشرا لعودة الطائرة النسائية إلى الواجهة على أمل استعادة إشعاعها القاري بعد كل تلك العثرات والهزات التي عرفتها الطائرة التونسية ليس لدى السيدات بل على مستوى الرجال أيضا يمكن القول أن لعب الدور النهائي يمثل أحسن حافز لتعبيد طريق النجاحات خاصة و أنه قبل التحول إلى أكرا الكثير من الأصوات تعالت ضد هذه المشاركة.
وضمن باب التألق في هذه الدورة يجب توجيه باقة ورود إلى كل أبطالنا وبطلاتنا في رياضات التايكوندو والجيدو ورفع الأثقال والتنس، ذلك أن منتخب التايكوندو الذي يسير بخطى ثابتة نحو المنصة الأولمبية بترشيح أربعة لاعبين لأول مرة تمكن من تصدر دورة التايكوندو بأكرا بعد سيطرته على منافساتها مما أهله للظفر بحصيلة تاريخية غير مسبوقة في تاريخ مشاركة أبطال وبطلات التايكوندو على الصعيد القاري بإحراز 12 ميدالية موزعة إلى تسع ذهبية وفضيتين وواحدة برنزية. وهو إنجاز بطولي يحسب للجميع من لاعبين و إطار فني ومسير على مستوى الجامعة والأندية.
ومن جهته استعاد الجيدو التونسي الزعامة القارية بتسيده نزالات الجيدو بالعاصمة الغانية والفوز بست ميداليات ذهبية واربع فضية وسداسية برنزية مما جعله ينهي الدورة في الصدارة بفارق كبير على كافة منافسيه. كل هذه النتائج إيجابية في رصيد الجيدو التونسي جاءت بالخصوص عن طرق جيل جديد يأمل في حمل المشعل وإعادة الجيدو التونسي إلى منصات التتويج العالمية.
رفع الأثقال تحافظ على مكانتها والتنس يعوض غياب الفتيات
وكانت رياضة رفع الأثقال التونسية في الموعد كعادتها مع التألبق والبروز على غرار مشاركاتها السابقة في الدورات الرياضية المتعددة الإختصاصات عربيا ومتوسطيا أو قاريا. ورغم غياب العديد من الأبطال على غرار كارم بن هنية وأيمن باشا بالخصوص وخسارة خدمات البطلة العالمية نهى الأندلسي التي غادرت تونس وغفران بلخير التي تمر منذ فترة بمرحلة حرجة فقد نجح أبطالنا وبطلاتنا في رياضة رفع الأثقال في تحقيق حصيلة هي الأعلى في تاريخ المشاركة في الدورات الإفريقية بالظفر بثلثي الميداليات التي تحصلت عليها تونس برصيد ثلاثين ميدالية موزعة إلى ثلاث ذهبية و11 فضية و16 برنزية.
وشدت مسابقة التنس إليها الأنظار بصفة خاصة بصفتها مرشحة للألعاب الأولمبية بباريس. ولئن حضر المنتخب التونسي للرجال وغابت منتخب الفتيات فقد تألق أبطالنا في مختلف المسابقات على النحو المنشود وحقق التنس التونسي أفضل حصيلة له في تاريخ الدورات الإفريقية. وكانت سيطرة لاعبينا كلية بالظفر بكل الميداليات الذهبية الممكنة و تصدر دورة التنس. فأحرز معز الشرقي ذهبية المسابقة الفردية واقتلع بطاقة ترشحه للألعاب الأولمبية ونال عزيز دوقاز واسكندر المنصوري ذهبية المسابقة الزوجية وكان الختام مسكا بنجاح المنصوري والشرقي والواقع في الظفر بذهبية مسابقة الفرق، وبذلك عوض فريق الرجال غياب منتخب السيدات بامتياز كبير…
ويجب عدم التوقف عند هذه المحطة لأن قطار الزمن لا يتوقف ومستقبل الرياضة التونسية غير مضمون من ناحية في ظل الأوضاع الحالية وعدم اهتمام الدولة الفعلي بنصف المجتمع و نعني ميدان الشباب والرياضة، ومن ناحية برامج ومخططات واقعية وهادفة للعناية بجيل المستقبل.
فماذا أعدت تونس للألعاب الأولمبية للشباب التي ستقام بعد سنتين بالسينغال؟
أم أن المسؤولين عن تسيير شؤون الرياضة عندنا سيتذكرونها قبل بضعة أسابيع ؟؟؟
المشاركة التونسية في الميزان : ثـانــي حصـيـلة في الــتـاريخ بعـد دورة لنـدن لكن..
أسدل الستار على الدورة الثالثة والثلاثين للألعاب الأولمبية بالعاصمة الفرنسية باريس غير أن …