على هامش واقعة انفجار لغم في مواطن اصيل القصرين وهو يقيم في المستشفى حاليا في حالة صحية حرجة من المهم التوقف عند مجموعة من الإشكاليات وفي مقدمتها وضعية سكان المناطق المتاخمة للجبال والذين يعتمدون في حياتهم على الرعي وعلى الفلاحة التقليدية ويضطرون أحيانا الى ولوج المنطقة العسكرية المغلقة وهو ما يضعهم امام مخاطر جمّة.
والحقيقة ان مسألة حماية هؤلاء المواطنين الذين يعيشون ظروفا حياتية قاسية هي مسؤولية الدولة وقد تقاعست عليها في مناسبات عديدة. ومع كل واقعة إرهابية جديدة او انفجار لغم في بعض المدنيين كانت صرخات المواطنين سواء من سكان هذه المناطق او من بعض جمعيات المجتمع المدني او من المنابر الإعلامية وكانت الإجابة عليها بوعود مختلفة ومتنوعة من قبل السياسيين بأن حماية حياة القاطنين في سفح المرتفعات الغربية هو من أوكد الأولويات ولكن لم يحدث. ولقد بلغت الصرخات مداها الأقصى عندما ذبح الشقيقان مبروك وخليفة السلطاني في سيدي بوزيد ، وتركت والدتهما وحيدة وتقاطر السياسيون من كل صوب وحدب الى بيتها ووعدوها بأن تنتهي معاناتها ومكابدة غيرها أيضا ولكن الواقع لم يتغير ورحلت الأم أما الوعود فقد تناثرتها الرياح.
واليوم ومع الواقعة الجديدة يعود طرح هذا الإشكال بشكل أكثر حدة فقد اعلن عن إصابة شاب ثلاثيني جراء انفجار لغم ارضي في المنطقة العسكرية المغلقة بجبل مغيلة وكانت النتيجة نزيف حاد أدى الى بتر احد أعضائه وحالته الصحية دقيقة جدا وفق ما جاء على لسان المدير الجهوي للصحة بالقصرين في تصريح لوكالة تونس افريقيا للأنباء.
اما تفاصيل الواقعة فهي تتقاطع كثيرا مع الكثير من الأحداث التي سبقتها وحكاية سكان هذه المناطق مع الألغام التي يزرعها الارهابيون في الطرقات الصغيرة التي تتخلل الجبال. فقد رافق هذا الشاب الثلاثيني شقيقه للرعي داخل المنطقة العسكرية المغلقة. وفي طريق العودة الى منطقته عين زيان من معتمدية سبيبة ولاية القصرين انفجر اللغم عليه. مع الإشارة الى ان هذا المواطن مثل غيره مضطر لأسباب معيشية ضرورية ان يتوغل في المنطقة المحظورة عسكريا سواء للرعي او جلب الحطب او غيرها ويعرّض حياته للخطر وهو ما حدث بالفعل.
والواضح اليوم ان القلة القليلة من الإرهابيين الذين ما يزالون قابعين في كهوف المرتفعات الغربية والذين تراجع عددهم الى حدود 11 نفرا وفق معطيات وزارة الداخلية بعد ان كان يفوق المائة اصبحوا مثل الذئاب الجريحة بعد ان تمت محاصرتهم وتقليم اظافرهم وهم يدركون ان نهايتهم قريبة ولذلك يتصرفون بشكل أهوج وعشوائي وهذا مكمن الخطر. فإذا كانت القوات العسكرية والأمنية قد نجحت في تطويقهم وكسر شوكتهم والقضاء على العدد الأكبر منهم ولم تبق سوى فئة ضالة تكابد من اجل الاستمرار على قيد الحياة فإنه لم يعد لديهم ما يخسرونه وبالتالي فإنه من المتوقع ان يوجّهوا ضرباتهم العشوائية الى الحلقة الأضعف من المواطنين وسيكون سلاحهم بالتأكيد الألغام الارضية ذات الصنع التقليدي وهي اخر ما تبقى من حلول لهم للقيام بعملياتهم الانتقامية. وبالتالي فإن الدولة مدعوة اليوم الى حماية هؤلاء المواطنين بتوفير مساعدات عاجلة لهم في المدى المنظور لتأمين عيشهم اليومي حتى يتمكنوا من الاستغناء عن الصعود الى المرتفعات المجاورة التي تشكل خطرا عليهم ولا بأس من التفكير في حلول اعمق على المدى المتوسط والبعيد.
والأكيد انه لم يعد من الممكن ترك هؤلاء المواطنين لمصيرهم المحتوم ومتابعة أخبار انفجار الألغام فيهم في باب المتفرقات والتطبيع مع تعرّض حياتهم للخطر دون ان يرفّ لنا جفن، فهؤلاء مواطنون تونسيون على الدولة حمايتهم.
التشغيل في تونس : «أم المعارك» التي لا بدّ من خوضها
لا شك ان احد الرهانات المطروحة على تونس اليوم هو التشغيل بكل ما يعنيه هذا الملف من تعقيد …