سواء كانت أزمة حريات أو أزمة قطاعات : كيف سيتفاعل الرئيس؟
ارتفع منسوب الاحتقان هذه الأيام في المشهد السياسي والمدني والاجتماعي، فبعد التجمّع العمّالي للاتحاد العام التونسي الشغل بالقصبة للمطالبة بـ«الحوار»، وغضبة الأطباء على خلفية إيقاف عميد البياطرة و«انتفاضة» المحامين في بيانهم الأخير جراء تواتر ملاحقة عديد المحامين، وتلويح المدرسين بالعودة للاحتجاج، ها هم الصحافيون يعبّرون بدورهم عن القلق مما يتعرض له قطاعهم بخصوص التتبعات بحق عدد من الصحافيين.
وإزاء واقع الحال، سواء ذهبنا في اتجاه توصيفه بكونه ترجمة لأزمة «قطاعات» أو سلّمنا بكونه نتيجة أزمة حريات، فإن الحَكَمَ في تقديرنا هو رئيس الجمهورية، ليس من باب المزايدة أو رمي الكرة أو المساندة النقدية أو الخصومة، ولكن من منطلق الصلاحيات القيمية والدستورية على حد سواء فالدستور واضح والممارسة أوضح والسياسة العامة للدولة يضبطها الرئيس وتنفّذها الحكومة في إطار «المشروع» بطبيعة الحال خصوصا في ظل عدم استكمال المؤسسات وعلى رأسها المحكمة الدستورية.
إن الخشية كبيرة من اللبس ومن عودة ظاهرة القطاعية المقيتة حيث تثور كل مهنة للدفاع عن نفسها تحت يافطة الحريات، وهو أمر مشروع لأصحابه لكنه قد ينقلب على الجميع ويخلق في نفس الوقت تسابقا وتلاحقا بين المهن والقطاعات، ينهكها ويهزّ صورتها في المجتمع، والأخطر من ذلك قد يوصلنا إلى مرحلة الصراع والتصادم في أسوإ الأحوال وهو ما يعود علينا بالوبال.
ويكفي ان نعود إلى مواقف الهياكل المهنية لهذه القطاعات لنقف على ضرورة الانتباه إلى خطر القطاعية التي تعصف بالحرية وهي تخال أنها بصدد الدفاع عنها منقسمة ومنغلقة على نفسها.
على سبيل المثال، لقد أثار البيان الأخير للهيئة الوطنية للمحامين ردود فعل كثيرة ذهب بعضها الى الترحيب به والحديث عن «صحوة» المحاماة التونسية، فيما اعتبره البعض الآخر انتصارا للقطاع وانتفاضة على ما يتعرّض له المحامون من تضييقات أثناء تأدية عملهم وارتباط ذلك بمسألة الحريات من منطلق أن التضييق على الدفاع يمس في النهاية الحرية.
ولعلّ أبرز نقطة أثارت الجدل في بيان هيئة المحامين هي المتصلة بالعلاقة بـ25 جويلية وهل هي القطيعة اليوم أو العتاب أو الاستنجاد برئيس الجمهورية وتحكيمه.؟
وقد أزال عميد المحامين حاتم مزيو أمس الاثنين 25 مارس 2024 كثيرا من اللبس حين قال عبر أمواج إذاعة جوهرة أف أم الخاصة أن «الهيئة تطالب بتفاعل إيجابي من رئاسة الجمهورية على بيانها» وأضاف «أن رئيس الجمهورية أكد له احترامه للمحاماة وهناك جزء من السلطة وراء التضييقات الممارسة على هذا القطاع».
وذكّرنا العميد بأن المحاماة هي صوت الشعب وأن دعم مسار 25 جويلية كانت الغاية منه المطالبة بإصلاحات عميقة ولابد حسب رأيه من إتمامها اليوم دون المساس بالحريات.
كما تبرّأ حاتم مزيو في نفس اللقاء الإذاعي من توظيف المحاماة التونسية من قبل أي طرف سياسي نافيا لقاءه بالمعارضين السياسيين في الخارج في رد غير مباشر على كلام غير مباشر لرئيس الجمهورية عن هذا الأمر دون تحديد أطرافه كالعادة.
وقبل ذلك بأيام ثارت ثائرة الأطباء وأطباء الأسنان والصيادلة واستغربت مجالس هيئاتهم من الاحتفاظ بعميد الأطباء البياطرة يوم 19 فيفري الماضي واعتبرته سابقة خطيرة مؤكّدة في ذات الوقت «ضرورة حل الإشكاليات بين الهيئات ومختلف الوزارات بالحوار لما فيه خير بلادنا» إلى جانب التأكيد على «الدفاع عن مصالح القطاع» في إطار المهام التي يحددها القانون دائما وفق ما جاء في البيان المشترك للمجالس.
من جهة أخرى، اهتز قطاع الإعلام على وقع إيقاف الزميل محمد بوغلاب في سياق جملة من التحقيقات والإيقافات والمحاكمات للإعلاميين الأمر الذي جعل النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين تؤكد أن «تواتر التتبعات القضائية ضد الصحافيين يعدّ سياسة ممنهجة لإسكات كل صوت ناقد» رافضة اللجوء إلى «القوانين ذات الطابع الزجري» خارج إطار المرسوم 115 المنظم لحرية الصحافة والطباعة والنشر.
لقد عرفت بلادنا في فترات كثيرة بعد ملحمة 14 جانفي 2011 غير المكتملة بروز ما أسميناه بـ«القطاعية المقيتة» حيث كان كل قطاع ينتفض استبسالا للدفاع عن مصالح منظوريه، فمرّة هبّ معلمو الأساسي ومرة أساتذة التعليم الثانوي ومرة أخرى الجامعيون والدكاترة إلى جانب القضاة والمحامين والصحافيين والفلاحين والأطباء والصيادلة والبلديين وعمال الحضائر وغيرهم من أصحاب المهن الذين يشعرون بين الفينة والأخرى أنهم مستهدفون، وما يغذّي هذا الشعور اجتهاد الإدارة أو السلطة واتخاذ إجراءات يرون فيها لا مسّا بهيبتهم فقط ولكن بمصالحهم الشخصية المادية والمعنوية وقد بلغ الأمر أحيانا حالة التدافع بين القطاعات في ما بينها علاوة على الصراع مع هذه السلطة.
واليوم وفي ظل الأوضاع الراهنة وأمام استمرار الأزمة المركّبة لا مناص من اجتناب إقحام القطاعات المهنية في موجات فعل وردّ فعل لا تتحملها البلاد ولن تنفع العباد وعلى هياكل هذه المهن ألا تسقط في الفخ في انتظار أن يدلو الرئيس بدلوه ويتفاعل في الوقت والشكل والمضمون المناسب.
في ذكرى جريمة غرّة أكتوبر 1985 بحمام الشط.. بين تونس والكيان الصهيوني دم.. وحقّ
في الليلة الفاصلة بين 30 سبتمبر وغرة أكتوبر 1985، اتخذ الكيان الصهيوني قرارا بتصفية القياد…