من رفح التي يترقب سكانها مصيرهم في انتظار ما ستؤول إليه المفاوضات في القاهرة وفي الدوحة يشاهد الفلسطينيون ألسنة النار والدخان متصاعدة من مدينة خان يونس المجاورة التي تعيش أياما عصيبة بعد أن كثّف الاحتلال عملياته وغاراته عليها موقعا العشرات من القتلى والمصابين ومدمّرا ما تبقى من مدينة أحالها إلى أكوام من الحطام، هناك أيضا يتابع السكان ما يجري في مجمع الشفاء الذي عاد جيش الاحتلال لمحاصرته منذ خمسة أيام بدعوى أنه يؤوي «إرهابيين يحتجزون إسرائيليين»، من هناك جاءت الشهادات فظيعة: لقد تجاوزت إسرائيل كل الخطوط الحمراء بعد أن جرّدت الرجال من ملابسهم وقتلت المرضى واعتقلت المصابين غير مبالية بجوع من تبقى من آلاف الأطفال والنساء المحاصرين داخل المبنى بلا أكل ولا شرب ولا حتى حمام لقضاء الحاجة وبجثث القتلى المنتشرة في أرجاء المكان.

وفي الحقيقة فإن إسرائيل تجاوزت كل الخطوط المحرّمة منذ بداية عدوانها على غزة حين قصفت في شهر أكتوبر الماضي المستشفى المعمداني موقعة مئات الضحايا، صعق مشهد الأطفال والنساء القتلى وقد انتشرت أشلاؤهم في كل مكان العالم يومها، وكان حجم الإدانة والاستنكار كبيرا فقد بدا حينها أن إسرائيل تجاوزت كل ما هو مُباح ومحرّم في الحروب.

قبل أيام أعلن جيش الاحتلال بدء عملية عسكرية جديدة في مستشفى الشفاء بناءً على ادعاءات استخباراتية حول وجود قيادات لحركة حماس داخل المستشفى، تعلة جديدة لا تقل زيفا عن تلك التي روّج لها مرارا وتكرارا في كل عملية وفي مجزرة نفذها في القطاع منذ بدء اجتياحه في السابع والعشرين من أكتوبر الماضي.

خمس ليال عصيبة عاشها مجمع الشفاء تُضاف إلى قائمة طويلة من الليالي التي أمعن فيها إرهاب الاحتلال في استباحة كلّ المحرّمات، وارتكاب الفظاعات في كل مدن وأحياء غزة من الشفاء مرورا بخان يونس ومخيم النصيرات والبريج وصولا إلى رفح التي بات مصيرها مرتبطا باجتماعات تفرقت شروطها بين العواصم وبجولة جديدة فلكلورية لوزير خارجية أمريكا لا نبالغ حين نقول إنها ليست سوى جولة أخرى لذرّ الرماد على العيون رغم أنه جاء هذه المرة حاملا في جعبته مشروع قانون قال إن بلده سيطرحه أخيرا على مجلس الامن لطلب وقف القتال في غزة بشروط يعلم جيدا أن الفصائل المقاتلة لن تقبل بها.

في السابع من أكتوبر الماضي تجرّأ بنيامين نتنياهو على تشبيه ما حدث يومها بـ«المحرقة اليهودية» في ألمانيا النازية متلاعبا بالرأي العام بحثا عن تعاطف دولي في الحقيقة هو ليس في حاجة إليه فدعم الغرب له من تحصيل الحاصل حتى ولو حوّل غزة إلى حفنة تراب.

لقد بحث نتانياهو عن شرعية دولية لحرب الإبادة التي ارتكبها وجيشه المحتل مستعينا بالماكينات الإعلامية الغربية وبدعم الحكومات الغربية التي مازالت لليوم تصرّ على أنه صاحب حق، منتشيًا بحفلة الشواء التي يقيمها جنوده كل يوم في غزة على شرف الخذلان العالمي.

لقد نجح الاحتلال فعلًا في تضليل العالم رغم أنه اكتشف وشاهد بأم عينه كيف تحولت غزة إلى مقبرة كبيرة بعد أن أفرغ فيها عشرات آلاف الأطنان من القذائف.

إن ما يحدث في غزة اليوم التي مازالت تقاوم رغم المجاعة والبرد والقصف هو محرقة حقيقية و«هولوكوست فلسطينية» فظيعة لم يحصل مثيل لها عبر التاريخ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

الهجوم الجديد على الكيان الصهيوني هل قررت طهران أخيرا نزع قفازاتها؟

لمدة أشهر طويلة حاولت إيران أن تتجنب الدخول في حرب ضد الكيان الصهوني رغم كل محاولات جرها ل…