رغم المجهودات الأمنية للتصدّي للظاهرة : ملف الهجرة غير النظامية يعود إلى الواجهة..
مازال ملف الهجرة غير النظامية يؤرق جل حكومات دول العبور والانطلاق ودول الاستقبال وفي مقدمتها دول الاتحاد الأوروبي وخاصة منها إيطاليا التي تسعى بكل الطرق إلى إيجاد حلول جذرية لهذا الملف الحارق،فرغم التشديد الأمني من قبل بلادنا إلاّ أن قوارب «الموت» القادمة من دول الجوار مازالت متواصلة في محاولة للوصول إلى السواحل الأوروبية.
فقد عادت شبكات الاتجار بالبشر إلى ممارسة نشاطها نتيجة تحسن العوامل المناخية وعادت معها رائحة الموت إلى سواحلنا في أعماق البحار، حيث نجحت دورية بحرية تابعة للديوانة فجر أول أمس الجمعة في إنقاذ 15 مهاجرا تونسيا بعد أن أوشك زورقهم على الغرق على بعد 11 ميلا قبالة سواحل هرقْلة وفق ما أفاد به العميد شكري الجبري الناطق الرسمي باسم الإدارة العامة للديوانة للإعلام.
كما أحبطت الوحدات العائمة التابعة للمنطقة البحرية للحرس الوطني بجرجيس عملية اجتياز للحدود البحرية خلسة ، وأنقذت 34 مجتازا من جنسيات مختلفة وانتشلت جثتين آدميتين،وفق بلاغ صادر أول أمس الجمعة عن الإدارة العامة للحرس الوطني.
وعلى سبيل الذكر لا الحصر فقد تم خلال جويلية وأوت الماضيين إحباط 900 عملية هجرة غير نظامية من بينها 600 عملية بسواحل صفاقس وقرقنة والمهدية ،حسب ما أعلن عنه سابقا في تصريحات إعلامية المتحدّث باسم الإدارة العامة للحرس الوطني حسام الدين الجبابلي أي بمعدل 450 عملية في الشهر و15 عملية اجتياز في اليوم وهو يعد رقما مرتفعا.
واعتبارا للانعكاسات والآثار السلبية لهذه الظاهرة على مستوى الدول المرسلة أو المستقبلة أو مناطق العبور فقد عملت دول الاتحاد الأوروبي في ما بينها وبالشراكة مع دول حوض البحر المتوسط الجنوبية على عقد اتفاقات ثنائية وجماعية لمكافحة هذه الظاهرة بالتوازي مع اتخاذها مجموعة من الإجراءات الأمنية الصارمة بهدف القضاء على هذه الظاهرة.
ورغم كل هذه المجهودات من قبل الدول أو من قبل القوات الأمنية التونسية فمازال استفحال ظاهرة الهجرة غير النظامية نحو سواحل أوروبا وتحديدا السواحل الإيطالية يمثل ملفا حارقا، تسعى البلدان الأوروبية وخصوصا إيطاليا للحد منه بوقف موجة المهاجرين غير النظاميين بكل الطرق المتاحة، حيث أصبح هذا الملف يؤرق حكومات ودول العبور على غرار بلادنا والجارتين الجزائر وليبيا أو تلك التي تمثل مناطق استقبال وخاصة إيطاليا عبر سواحل جزيرة «لامبيدوزا».
فرغم اتخاذ أغلب دول الاتحاد الأوروبي تدابير صارمة وواسعة النطاق للتعامل مع مشكلة الهجرة غير النظامية والتي أصبحت في تزايد مستمر لأسباب أمنية واجتماعية واقتصادية إلا أن نزيف «الحرقة» مايزال مستمرا ومتواصلا وهو الهاجس الأكبر حاليا بالنسبة للأوروبيين لما له من تداعيات سلبية على الأمن والتنمية والاستقرار.وبأقل حدّة على مناطق العبور رغم المشاكل الأمنية والاجتماعية التي يمكن أن تنجر عن محاولات الهجرة غير النظامية للآلاف من المهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء عبر بلادنا.
ورغم سعي الجانب الإيطالي المتضرر الأكبر من عمليات «الحرقة» الى الدفع نحو تفعيل بنود مذكرة التفاهم بشأن الهجرة غير النظامية إلا أن ذلك لم يساهم في الحد من التقليص في أعداد المهاجرين نحو أوروبا أو من وصول المهاجرين إلى السواحل الإيطالية وهو ما يقتضي تفعيل كافة بنود الاتفاقية باعتبار أن الحل الأمني يعد جزءا من جملة الإجراءات الأخرى الهامة والأساسية والتي يجب أن تعالج بالتزامن مع الحلول الأمنية على غرار ما ضمّن في اتفاقية الشراكة بين الجانبين التونسي والأوروبي بخصوص تعطيل نموذج مهربي البشر والمتاجرين بهم وتعزيز مراقبة الحدود وتحسين إجراءات التسجيل والعودة إلى جميع التدابير الأساسية لتعزيز جهود وقف الهجرة غير النظامية.
كما تفيد آخر الأرقام في علاقة بالهجرة غير النظامية أنه تم منذ بداية السنة الحالية رصد وصول أكثر من 690 مهاجر تونسي غير نظامي إلى السواحل الإيطالية،وأن نسبة التونسيين الواصلين إلى السواحل الإيطالية تراجعت بـ٪42 مقارنة مع الفترة نفسها من سنة 2023 وفق المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
ويعود وفق تقديرنا هذا التراجع في نسبة التونسيين الواصلين إلى السواحل الإيطالية بداية هذه السنة إلى نجاح الاستراتيجية الأمنية المعتمدة للتصدي لظاهرة الهجرة غير النظامية وكافة مجهودات مختلف الأسلاك والإجراءات المتخذة في الغرض على جميع المستويات وفي كل المناطق الحدودية البحرية والبرية، وهو ما يجب البناء عليه في اتجاه تطويق الظاهرة والتصدي لها بتفعيل مختلف الاتفاقات الأخرى مع الجانب الأوروبي.
وكما هو معلوم فان الهجرة بشكليها النظامي وغير النظامي ناتجة عن سعى الإنسان إلى تحسين ظروفه خاصة تلك المتّسمة بالهشاشة في أغلب دول جنوب المتوسط وجنوب الصحراء وهو ما يعود بنا إلى التأكيد مرة أخرى على أن الحل بالنسبة لهذه الظاهرة وهذا الملف الحارق ليس أمنيا بالأساس على أهميته البالغة بل هو اقتصادي واجتماعي أيضا وفي العمق.
فاحتواء أزمة الهجرة غير النظامية يتطلب بالضرورة تفعيل بقية بنود مذكرة التفاهم حول الشراكة الإستراتيجية والشاملة بين تونس والاتحاد الأوروبي الموقّعة في جويلية الفارط والمتضمنة لـ5 محاور أساسية تتعلق باستقرار الاقتصاد الكلي والاقتصاد والتجارة والتحول الطاقي الأخضر والتقارب بين الشعوب والهجرة والتنقل.
إثر زيارة رئيس الجمهورية لهنشيري الشعّال والنفيضة : الشعب التونسي في حالة صدمة من هول ما رأى من فساد…
كشفت زيارة رئيس الجمهورية قيس سعيّد غير المعلنة الأخيرة الى كل من هنشير الشعّال بولاية صف…