بعد إعفاء رئيس الجمهورية قيس سعيّد كلاّ من واليي المهدية والمنستير من مهامهما تتواصل الدعوات الى سدّ الشغورات في سلك الولاة والمعتمدين والعمد والتي تناهز العشرات وفي بقية المناصب العليا للدولة وإجراء حركة جزئية أو شاملة لما يمثله منصب الوالي من أهمية سواء في علاقة بتنفيذ السياسات العامة للدولة وخاصة في ما يتعلق بالمجال التنموي والجهوي أو بوصفه ممثل الحكومة له سلطة على موظفي وأعوان المصالح الجهوية المباشرين بدائرة ولايته ويسهر على تنفيذ القوانين والتراتيب الجاري بها العمل والقرارات الحكومية في ولايته وهو الذي يعمل على تنشيط ومراقبة جل المصالح الجهوية الراجعة له بالنظر للإدارات المدنية التابعة للدولة ويقترح البرامج والحلول التي من شأنها أن تحقق النمو الاقتصادي والاجتماعي وتنهض بالتنمية في دائرة ولايته وفق القانون.

فمنصب الوالي كما هو معلوم له صبغة سياسية وفق التوجهات العامة الاقتصادية والاجتماعية التي تضعها الدولة ومن شأن التباطؤ في سد هذه الشغورات في سلك الولاة أو المعتمدين أو في عدد آخر من المناصب العليا للدولة والتي تهم أغلبها التسيير الإداري أن يؤثر نسبيا خاصة في  المرحلة الراهنة على مسار انجاز بعض المشاريع المبرمجة أو المعطلة في عدد من الولايات، وخاصة تلك المرتبطة بآجال محددة  ولها علاقة مباشرة بالمواطن كالمستشفيات والمدارس والطرقات، وغيرها من المرافق العامة.

وكما هو معلوم تضطلع السلطات الجهوية ممثلة في الوالي والمعتمدين الأول والمعتمدين وغيرها من المناصب العليا وتمثيليات الدولة الجهوية والمركزية بدور هام ومحوري في دفع التنمية وتمثيل الحكومة وتنفيذ السياسات العامة للدولة وتسيير الشؤون الإدارية وكافة الخدمات التي يحتاجها المواطن في مرجعه الترابي والإداري وهو ما يؤكده رئيس الجمهورية قيس سعيد بالتزامن مع إقالة واليي المهدية والمنستير بتشديده على الدور الهام للسلطات الجهوية وضرورة تحمّلها المسؤولية بما يقتضيه الواجب الوطني، بقوله «… من غير المقبول أن يبقى وال بمنصبه أو معتمد أول بولاية وراء مكتبه وفوق أريكته ولم يقم ولو بزيارة واحدة إلى إحدى العمادات. كما من غير المقبول، أيضا، أن لا يكون الوالي على علم بانقطاع الماء أو الكهرباء في الجهة التي هو المسؤول الأول عن السير العادي للمرافق العمومية فيها. بل أكثر من ذلك تأتيه المعلومة من رئاسة الجمهورية لدعوته للتدخل الفوري والتوجه إلى المكان الذي انقطع فيه الماء أو الكهرباء».

وانطلاقا من هذا الدور الهام وفي ظل الانتظارات الواسعة لمتساكني بعض الجهات التي تنتظر الاستجابة إلى مطالبهم في التنمية وتحسين ظروفهم الاجتماعية وتوفير خدمات إدارية ذات جودة،فان سد الشغورات في المناصب العليا للدولة أصبح حاجة ملحّة اليوم بالاعتماد على الكفاءة والخبرة والنزاهة ونظافة اليد خاصة بعد استكمال المسار السياسي بانتخاب المجالس المحلية والمجالس الجهوية ومجالس الأقاليم لتستكمل بتنصيب المجلس الوطني للجهات والأقاليم باعتبارها الغرفة التشريعية الثانية في الأيام المقبلة والاستعداد لإجراء الاستحقاق الرئاسي مع أواخر السنة الحالية.

هذا ويجمع كثيرون اليوم على أن هذه الشغورات في مناصب الولاة ساهمت في تعمق الأزمات التي تعاني منها بعض الجهات اعتبارا للدور المحوري للوالي في التنسيق مع الهياكل الحكومية لمعالجة الأزمات، وتواصل هذا الشغور من شأنه أن يساهم في مزيد إضعاف هذا التنسيق  بسبب غياب  برنامج واستراتيجية واضحة للإدارة والمعالجة.

وبعيدا عن الجدل الحاصل حول التباطؤ في سد الشغورات في سلك الولاة والمعتمدين وفي بقية المناصب العليا للدولة التي تشهد شغورات وبعيدا أيضا عن التجاذبات السياسية حول هذا الملف والتساؤلات التي لا تنتهي في الشارع التونسي باعتبارها مناصب حساسة وذات صلة بحياة المواطنين وتؤثر في معيشهم اليومي فإنّ بلادنا في حاجة اليوم إلى سد هذه الشغورات لعدة اعتبارات اقتصادية وتنموية واجتماعية وأيضا سياسية وأمنية في علاقة بالانتخابات الرئاسية المقبلة نهاية هذا العام  وهو ما يحتّم وجود مسؤولين في كل المناصب لتنفيذ السياسات العامة للدولة وتسهيل انجاز البرامج التنموية والمشاريع  وضبط الاستراتيجيات المحكمة والسياسات الناجعة لضمان الاستقرار الأمني وتمثيل السلطة التنفيذية على أحسن ما يكون والاستجابة لانتظارات  «التوانسة» في كافة ربوع البلاد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

هجرة المهندسين التونسيين : ظاهرة خطيرة تستدعي حلولا عاجلة

لا يختلف اثنان اليوم حول ارتفاع ظاهرة هجرة المهندسين في السنوات الأخيرة وما تمثله من خطورة…