2024-03-14

هل تحوّل إلى عبء على البلاد ونقمة على العباد ؟ قطاع السكك الحديدية والأمراض المتأصّلة.. !

هي ليست الزيارة الأولى، وقد لا تكون الأخيرة التي يؤديها رئيس الجمهورية قيس سعيد الى  مستودع القطارات بجبل الجلود، والذي يحوي آلاف الأطنان من حديد «الخُردة» أو كما قال رئيس الدولة «مقبرة» للقطارات وليس مستودعا لها.

رئيس الجمهورية شدّد في هذه الزيارة على «ضرورة وضع حدّ للخراب والفساد الذي يشكوه هذا المرفق العمومي الأساسي، فأكثر العربات مُهملة وتحوّلت إلى ركام من الحديد الذي أصابه الصدأ ولم يعد صالحا للاستعمال في حين أن المواطنين يعانون من أجل التنقل ومنهم من يغادر بيته قبل ثلاث ساعات أو أكثر للحصول على وسيلة نقل، وإن كان محظوظا ووجدها فهو يتنقل في ظروف غير إنسانية».

وفي خضم تداوله مع مسؤول الخدمة، تطرق هذا الاخير الى رقم مفزع، حيث قال ان تونس كان بها عام 2000، ستة وأربعون قاطرة لجر العربات، والان باتت تمتلك فقط خمسة عشر قاطرة، كلها تقريبا متداعية للخراب، نتيجة تراكم الأعطاب وقلة الصيانة وغلاء قطع الغيار، وتداخل عديد الاطراف كالشركة  الوطنية للسكك الحديدية ووزارة النقل والمواصلات، ووزارة املاك الدولة ومصنع الفولاذ، وهو تداخل أفرز فقط مزيدا من التعطيل ومزيدا من تداعي القطاع كله للإهمال والتآكل والضياع.

رئيس الجمهورية ذكر خلال جولته في هذا المستودع، عديد الأمثلة عن الفساد الذي عرفه هذا القطاع منذ عقود من بينها السكة الحديدية للمترو الخفيف التي تم وضعها بعد أن خسرت المجموعة الوطنية آلاف المليارات ثم وقع ردمها في شارع «جان جوريس» وشارع «لوي براي» بتونس العاصمة نتيجة لتدخل المتنفذين آنذاك داخل السلطة، هذا إلى جانب اقتناء عربات مترو تُفتح أبوابها دون مستوى الرصيف داخل المحطات، أو اقتناء عربات عجلاتها لا تتناسب مع مقاييس السكة الحديدية».

وهذا القطاع الذي من المفترض ان يكون قاطرة للتنمية والتقدم، وتسهيل التنقل وتقريب المسافات، تحول الى كابوس يقض مضاجع التونسيين، خاصة نتيجة التأخر في التوقيت، ونتيجة سوء الخدمة، ونتيجة احتمالات التعطيل، ونتيجة أيضا للخشية من تقادم عربات القطار وقضبان السكة بما يوحي بعدم الاطمئنان لهذا الاسطول المتهالك، الذي نخره الفساد وسوء التصرف وتعقد الاجراءات الادارية، وكل العوامل التي تكاتفت لتجعل منه عبءا على المجموعة الوطنية يكلّفها كل يوم عشرات الملايين من الخسائر.

وفي الوقت الذي تتسابق فيه دول العالم على أسرع القطارات وعلى تحطيم الارقام القياسية في سرعة التنقل وفي جودة الخدمات وحتى على جائزة (صفر تأخير) التي تحوزها عديد الشركات العالمية في هذا المجال، ماتزال تونس تعاني من قطاع شبه بدائي تقريبا، بقطارات قديمة جدا وعربات متهالكة وقاطرات خارج الخدمة، ورحلات هي أشبه بالعذاب لكل المسافرين.

تونس كانت تضع في حساباتها انشاء مشروع (تي جي في) وكانت ترنو الى منافسة دول العالم في هذا المجال، لكن ما يحدث الان على سكك الحديد لا يبدو انه يمتّ لهذا الحلم بصلة، ولا يبدو انه قد يخرج من هذه الوضعية المأساوية قريبا، خاصة اذا عرفنا أن النهوض بهذا القطاع يتطلب أولا وقبل كل شيء، اعتمادات مالية ضخمة قد لا تقدر ميزانية الدولة حاليا على توفيرها بسرعة، كما يتطلب اصلاحا جذريا، أي مسح واعادة بناء من جديد لكل الخطوط الحديدية والكهربائية والسريعة ونقل البضائع وغيرها، ما يعني أيضا جهدا ووقتا وامكانيات ووسائل لا نعلم ان كانت تونس قادرة على تحمّلها في الوقت الحالي.

ولا شك ان قطاعا بهذه الاهمية لا يمكن ان يبقى عبءا على الدولة، ولا يمكن ايضا النهوض به بسهولة وبمجرد قرار، بل يحتاج الى تفرغ كامل من قبل كل المتدخلين، ويحتاج الى تصفية شفافة وقانونية لكل الفاسدين، ويحتاج بالخصوص الى أمرين هامين لا غنى عنهما: ميزانية خاصة لبناء سكك حديدية جديدة بالمرة، وقرار سياسي صارم وشجاع وملزم ولا يستثني شيئا او أحدا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

ستكون خير تعويض للجدب الصيفي : غلال الخريف تشهد ارتفاعا ملحوظا في الكميّة والجودة

على عكس الصائفة التي مرّت تقريبا دون ان يشبع التونسيون من الغلال الموسمية التي تعودوا عليه…