يبدو أن ظاهرة تدفق تمويلات أجنبية على بعض الأطراف داخل التراب التونسي مسألة تؤرق حاليا الفاعلين السياسيين فقد تم التطرق اليها أكثر من مرة. ويبدو ان النية تتجه الى مقاومتها بكل جدية ولعل هذا ما يفسر التداول فيها من قبل رئيس الحكومة السيد أحمد الحشاني مع كل من السيد فتحي زهير النوري محافظ البنك المركزي التونسي والسيدة نائلة فتح الله الكاتبة العامة للجنة التونسية للتحاليل المالية.

ويتنزل هذا اللقاء  في إطار التنسيق بين  أجهزة الدولة  ومؤسساتها للعمل بشكل متناغم وفق ما أكده رئيس الحكومة وذلك بهدف مقاومة كل الظواهر الخطيرة ومن بينها ظاهرة تدفق تمويلات خارجية مشبوهة ومن الطبيعي في مثل هذه الحالة ان يكون تفعيل الآليات الرقابية أولى الخطوات وأكثرها نجاعة وعلى هذا الأساس تم التداول في هذا الموضوع مع المعنيين بالأمر بشكل مباشر ونعني محافظ البنك المركزي والكاتبة العامة للجنة التحاليل المالية.

ولا يقتصر الأمر على المؤسستين المذكورتين فكل البنوك والمؤسسات المالية مدعوة الى الاسهام في هذا الجهد الوطني من اجل مكافحة جريمة التمويلات الخارجية المشبوهة.

والأكيد ان تدفق المال الأجنبي المشبوه يعد تهديدا حقيقيا وهو من المخاطر التي تمس الأمن القومي للبلاد والسلم الاهلية كذلك.

ومن الطبيعي ان تتولى الدولة في  مثل هذه السياقات تفعيل آليات الرقابة عبر الأجهزة والمؤسسات المعنية من خلال مراقبة التحويلات المالية التي تتدفق من الخارج ومدى نقائها من الشبهات.

ومن المعلوم ان المال المشبوه الذي تدفعه بعض الجهات ودوائر القرار في الخارج الى هذا الطرف او ذاك سواء تحت غطاء جمعياتي او إنساني تضامني او سياسي هو بالتأكيد تدخل سافر في الشأن الوطني ويهدف الى الإضرار بالمصلحة الوطنية والتأثير على القرار الوطني بل وتحويل دفة بعض المواضيع والقضايا وفق ما تقتضيه مصالح هؤلاء «المانحين».

وهنا تكمن خطورة تدفق هذا المال المشبوه والذي يبدو ان الممولين يدفعونه بسخاء للجهات التي تعنيهم داخل التراب التونسي.

وإذا كان هناك من بعض حاضنينا في الوطن لا يرون غضاضة في تلقي هذه الأموال سواء لطمع متأصّل في نفوسهم او لأهداف أخطر فإنه في كل الحالات لابد من مجابهة هذه الظاهرة بالقانون وعبر تفعيل المراقبة الصارمة حتى يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود.

ولأن الرهان في تونس اليوم على السيادة الوطنية كبير باعتبارها أولوية الأولويات لدى الفاعل السياسي فهناك حرص لا يخفى على أحد على عدم التسامح مع من يريد خرقها والتأثير في الشأن التونسي الداخلي عبر يافطات كثيرة قد تكون حقوقية او إنسانية او غيرها من المآرب التي تتخفى بنوايا حسنة. وبالتالي فإنه لا ينبغي التغافل عن كل من يتلقى تمويلات مشبوهة من اطراف اجنبية لغايات ماكرة سواء كانت جمعيات او منظمات او أحزاب او أفراد او جماعات.

ولعل لقاء رئيس الحكومة بالسيد محافظ البنك المركزي وكذلك السيدة الكاتبة العامة للجنة التونسية للتحاليل المالية يكون منطلقا جديدا ومحفّزا للمضيّ نحو مراقبة التدفقات المالية بالصرامة اللازمة لاسيما وان رئيس الحكومة دعاهما الى مضاعفة الجهد من اجل التصدي لهذه الظاهرة الخطيرة المتمثلة في تدفق مالي كبير تحوم حوله شبهات وذلك عبر تشديد المراقبة والمتابعة الدقيقة للعمليات المالية.

وهنا من المهم التذكير بأن تونس تمتلك عددا لا يستهان به من التشريعات القانونية المنظمة للقطاع المالي وتحديدا لمسألة التمويل الأجنبي وهي في اتساق تام مع القوانين المنبثقة عن مجموعة العمل المالي. والأكيد ان هذه الترسانة التشريعية تمكّن بلادنا من التصدي بمنتهى الصرامة لكل مظاهر تبييض الأموال او التحيّـل او حتى التلاعب بالأموال التي يتم رصدها بصفة قانونية.

وهنا يبدو ان المسألة المالية وتحديدا ظاهرة تدفق المال المشبوه تأتي في باب الأولويات المطروحة اليوم على السلطة التونسية من أجل تنقية الأجواء خاصة ونحن قاب قوسين او أدنى من استحقاقات سياسية مهمة من الحتمي دخولها بمناخات خالية من الشبهات والثغرات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

إلى مراكز النفوذ في الغرب وتحديدا فرنسا بعد أن سقطت أقنعتها: تونس ليست ملفا حقوقيا..!

من المعلوم ان علاقة تونس بالآخر الغربي متعددة الأبعاد والتقاطعات بين النخب الغربية والفرنس…